إدارة الأزمات والتعليم الطارئ عن بعد في ضوء التجربة السعودية والتجارب الدولية – جائحة كورونا أنموذجاً
مقدمة
شهد العالم منذ بداية العام الحالي ظروفاً استثنائية ارتبطت بانتشار فيروس كورونا المستجد أو كوفيد-19، وتأثرت المؤسسات التعليمية بهذه القرارات، ولم يعد من الممكن مواصلة العملية التعليمية بصورتها التقليدية، واُبقي ملايين الطلاب ومعلميهم في كافة المراحل التعليمية في منازلهم، وشكل انتشار هذا الفيروس أو وباء كورونا أزمة كبرى واجهت كافة دول العالم بلا استثناء، وسارعت دول العالم إلى البحث عن أساليب بديلة للحيلولة دون توقف العملية التعليمية، ولم تكن جميع الدول على نفس المستوى في مواجهة هذه الحالة الطارئة، وظهرت تجارب مختلفة للتعامل مع هذا الأمر الطارئ، وتبع ذلك ظهور مصطلح التعليم الطارئ عن بعد جنباً إلى جنب مع مصطلح التعلم الإلكتروني، وتدخلت المؤسسات الأممية كاليونسكو وغيرها من المؤسسات لمتابعة هذا الأمر الطارئ وتقديم يد العون لمختلف دول العالم، باعتبار أن هذا الوباء شكل قاسماً مشتركاً لمعاناة الملايين من الأشخاص حول العالم، ويرجع جانب من تلك المعاناة إلى المخاوف المرتبطة بانتشار الوباء وأعداد الوفيات اليومية، والحرمان من ممارسة النشاط الإنساني المعتاد.
وتتناول هذه الورقة استعراض للتجارب الدولية التي خاضتها دول العالم لاستكمال العملية التعليمية في ظل انتشار الوباء كأزمة كبرى وتهديد للمسيرة التعليمية، وتبني الأنظمة التعليمية أسلوب إدارة الأزمات لمواجهة هذا الوباء، والتعريف بالتجربة السعودية وجهود اليونسكو في هذا الشأن، مع محاولة استشراف مستقبل التعليم عن بعد والتعلم الإلكتروني بعد كورونا، وما هي الفرص المتاحة أمام الأنظمة التعليمية لمواصلة التعليم.
التعليم الطارئ عن بعد Emergency Remote Teaching
ظهر مصطلح التعليم الطارئ عن بعد (Emergency Remote Teaching (ERT للتعبير عن التحول الذي طرأ فجأة على طرق التدريس التقليدية، بهدف إيجاد حل مؤقت وسريع للتعليم يُمكن أن يُعتمد عليه خلال أوقات الطوارئ والأزمات، وينطوي التعليم الطارئ عن بعد على تقديم بديل للتعليم الصفي وجها لوجه، والذي ستعود إليه الأنظمة التعليمية بمجرد انتهاء الأزمة أو الطوارئ. أي أن الهدف الأساسي في هذه الظروف لا يتمثل في إعادة إنشاء نظام بيئي تعليمي قوي، بل توفير الوصول المؤقت إلى التعليم والدعم التعليمي بطريقة سريعة الإعداد ومتاحة بشكل موثوق أثناء الطوارئ (Hodges et. al., 2020).
في الواقع، تعود نشأة مصطلح التعلم عن بعد إلى بداية خدمة البريد الأمريكي في منتصف القرن التاسع عشر، وأدى الانتشار الكبير لاستخدام الانترنت إلى ظهور أساليب مختلفة من التعلم الإلكتروني، واعتمدت مؤسسات التعليم الجامعي على هذا النوع من التعليم والتعليم الافتراضي، أما بالنسبة للمدارس فلم يكن من السهل استبدال التعليم التقليدي داخل الصفوف الدراسية بتعليم فعّال عبر الإنترنت (Nilson, 2020).
وتوضح نتالي ميلمان (2020) Milman N. والتي عملت في التدريس الجامعي بجامعة جورج واشنطن لمدة تزيد عن عشرين عاماً، وعاصرت ظروفاً استثنائية للتعليم الجامعي أثناء هجمات 11 سبتمبر 2001، وإعصار إيزابيل 2003، وانتشار فيروس N1H1 عامي 2009-2010، أن الظروف التي فرضها انتشار فيروس كورونا ظروفاً غير مسبوقة، فما نشهده لا يندرج تحت أساليب التعليم المتعارف عليها، فالوضع الحالي يمثل تعليما طارئا عن بعد، أو التعليم في ظل انتشار الأوبئة، وينبع الاختلاف من حيث الانتقال المفاجئ إلى تقديم هذا النوع من التعليم كبديل عن التعليم التقليدي، وقد لا تتوافر الشروط والإمكانيات المطلوبة لتنفيذ التعلم الإلكتروني أو التعليم عن بعد، وما يتطلبه من جودة إعداد المحتوى وتدريب للمتعلمين على هذا النوع من التعليم، بالإضافة إلى الشكوك حول مدى استمرار تلك الحالة، والمخاوف التي يثيرها انتشار الوباء، والأسئلة المثارة باستمرار حول الوقاية منه، العلاج، أطوار الفيروس، مراحل انتشاره، انحساره، وهكذا…..إلى العديد والمزيد من الأسئلة التي تراود أذهان الطلاب والمعلمين كغيرهم من فئات المجتمع.
أي أن مصطلح التعليم الطارئ عن بعد يُعبر عن الانتقال المفاجئ من أساليب التدريس التقليدية إلى استخدام التعليم عبر الانترنت، ضمن حالة استثنائية لمواجهة ظروف تحول دون استمرار العملية التعليمية بصورتها المتعارف عليها، والتدريس وجهاً لوجه.
التعليم الطارئ عن بعد والتعلم الإلكتروني
يقول مالكولم براون Malcom Brown ، مدير مبادرات التعلم في جمعية EDUCAUSE الأمريكية، وهي من الجمعيات الرائدة في مجال تكنولوجيا التعليم، “إنه من الضروري التمييز بين مصطلحي التعلم الإلكتروني والتعليم الطارئ عن بعد، لأن التعلم الإلكتروني مصطلح مفتوح لمجموعة متنوعة من التفسيرات، بالإضافة إلى ذلك فإن التمييز بين المصطلحين يُمكن أن يشكل مستقبل التعليم لسنوات قادمة” (Manfuso, 2020).
وتوضح هيئة التقويم والتدريب (2020) بعض أوجه الاختلاف بين التعليم الطارئ عن بعد والتعلم الإلكتروني، وذلك من خلال تحديد أهم الجوانب التي يتميز فيها التعلم الإلكتروني على النحو التالي:
- يعتمد التعلم الإلكتروني على تخطيط وتصميم تعليمي دقيق باستخدام نموذج منهجي للتخطيط والتصميم، وتُتخذ وفق هذا التصميم قرارات تؤثر في جودة التعليم عن بعد، وتغيب المنهجية والتخطيط عن التعليم الطارئ حالياً.
- يعتمد تصميم التعلم الإلكتروني على ثمانية أبعاد شاملة، تحدد بالضبط كل جوانب التعلم الإلكتروني، ويفتقد التعليم الطارئ عن بعد إلى هذه الشمولية.
- يعتمد التعلم الإلكتروني على بيئة متكاملة من العوامل المترابطة فيما بينها، وينبغي عدم خلطه مع التعليم الطارئ الذي لا يتجاوز نقل المعلومات.
- يتجاوز التخطيط الجيد للتعلم الإلكتروني مجرد تحديد المحتوى الذي يٌقدّم إلى الاهتمام بدعم أنماط التواصل المختلفة اللازمة لعمليات التعلم، ويتطلب هذا الأمر النظر إلى عملية التعلم بكونها عملية اجتماعية ومعرفية في آن واحد، وليست مجرد نقل المعلومات من طرف لآخر.
- يهدف التعلم الإلكتروني لصناعة مجتمع تعلم بحيث يدعم المتعلمين تعليمياً عبر إشراكهم بالمنهج، وبأنماط أخرى من الدعم الاجتماعي، بينما يهدف التعليم الطارئ عن بعد إلى حل مؤقت للتدريس، بما يُمكن تجهيزه بشكل سريع خلال الطوارئ والأزمات.
- يتطلب التعلم الإلكتروني الفاعل استثماراً في منظومة تدعم المتعلم، ويتطلب ذلك وقتاً في تحديده وبنائه.
- عادة ما يستغرق إعداد مقرر للتعلم الإلكتروني ما بين ستة إلى تسعة أشهر، وعادة لن يصل مقدمو التعلم الإلكتروني إلى تقديم المحتوى بشكل جيد إلا بعد تقديم هذا المحتوى ثلاث مرات، وهذا الأمر غير متوفر في التعليم الطارئ عن بعد.
وبالإضافة إلى ما سبق فقد أظهرت متابعة تجارب التعليم الطارئ عن بعد لجوء بعض الأنظمة التعليمية إلى تقديم المحتوى التعليمي عبر فضائيات تعليمية، أو عبر قنوات التلفاز الرسمي، أي دون استخدام شبكة الإنترنت، بخلاف التعلم الإلكتروني الذي يعتمد على توظيف شبكة الإنترنت، أو حتى باستخدام نسخ ورقية للمحتوى التعليمي، كذلك فإن التعليم الطارئ عن بعد يحول دون تطبيق العديد من أساليب التعلم الإلكتروني، ومنها على سبيل المثال الفصل المنعكس أو المقلوب Flipped Classroom، فلا مجال لقلب الفصل الدراسي، حيث أن التعليم يتم بشكل تام في المنزل، دون أي شكل من أشكال التفاعل الصفي بين المعلم والطلاب.
إدارة الأزمات والتعامل مع وباء كورونا
تُعرف الأزمة بأنها نقطة تحول في أوضاع غير مستقرة، ويُمكن أن تقود إلى نتائج غير مرغوبة، إذا كانت الأطراف المعنية غير مستعدة أو غير قادرة على احتوائها ودرء أخطارها، أو أنها حالة يواجهها أفراد أو جماعة أو منظمة، ولا يُمكن التعامل معها باستخدام الإجراءات الروتينية العادية، وفيها تظهر الضغوط الناشئة عن التغير الفجائي، وترتبط الأزمة بما يُعرف بمفهوم “مثلث الأزمة” والذي يتضمن تعريف الأزمة باعتبارها حالة تتسم بالضرر والتمزق والخطر الكبير، وهي مفاجئة وحادة، وتتطلب رد فعل سريع وخارج إطار العمل المعتاد، وعناصر هذا المثلث، حسب هذا التعريف هي: المفاجأة، التهديد الذي قد يمتد ليشمل المجتمع ككل، وضيق الوقت (المرعول، 2014).
وعلى صعيد العمل المؤسسي، يُنظر إلى الأزمة كتعبير عن موقف خطير يواجه المؤسسة ويهدد بقاءها ويُمكن أن يؤدي إلى تدميرها، وتتلاحق أحداث هذا الموقف وتتراكم نتائجه بصورة متسارعة تحت ضغوط عناصر الأزمة، رغم مقاومة المؤسسة لهذا الموقف، وتتضمن الأزمة حالة من عدم الاستقرار تتضمن إشارات وتنبؤات بحدوث تغييرات حاسمة قريبة قد تكون نتائجها غير مرغوب فيها على الإطلاق (أبوفارة، 2009).
وفي جميع الأحوال تمثل الأزمة حالة توتر ونقطة تحول مفاجئة، ويتطلب التعامل مع الأزمة اتخاذ قرارات جديدة ينتج عنها مواقف أو أوضاع جديدة، سلبية كانت أو إيجابية، وبشكل عام فإن هذه المواقف والأوضاع الجديدة تختلف بشكل جزئي أو كلي عما كان سائداً قبل الأزمة، وتؤثر هذه القرارات وتبعاتها على مختلف الكيانات ذات العلاقات، وقد شكلت الأزمة الناتجة عن وباء كورونا أوضاعاً جديدة غير مسبوقة في كافة مجالات وأوجه النشاط الإنساني، وتشير التوقعات إلى أن طبيعة العمل داخل المؤسسات المختلفة حول العالم سيختلف بعد تجاوز هذه الأزمة، بفضل الله تعالى، عما كان سائداً قبل تلك الأزمة.
تجارب إدارة الأزمات التي واجهت التعليم
يعلق دانييل أوبست، نائب رئيس شؤون الشراكات الدولية في معهد التعليم الدولي (IIE) في نيويورك، قائلا: “جراء الحروب، يصبح التعليم كالطفل اليتيم. إذ دائما ما يأتي التعليم في ذيل قائمة اهتمامات المنظمات الإنسانية”.
يُعبر الرأي السابق عن الأزمة التي يواجهها التعليم في حالة الحروب كأحد أشكال الأزمات التي تواجه الدول والمجتمعات على مر العصور، وشهد العالم العربي خلال العقدين الماضيين تفجر الحروب والنزاعات المسلحة والاقتتال الداخلي في العديد من الدول ومنها على سبيل المثال ما هو حاصل في العراق، وسوريا، واليمن، إلى جانب الصراعات المسلحة في بعض دول العالم المختلفة، وفيما يلي عرض لبعض الجهود الدولية لإدارة الأزمات التعليمية إبان الحروب وغيرها من الأزمات، إلى جانب بعض الدراسات والتجارب العربية في هذا الشأن.
-
الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ INEE
تم إصدار المعايير الدنيا للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات من قبل الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (INEE) Inter-agency Network for Education In Emergencies، وشبكة INEE هي شبكة مفتوحة تشمل وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية وجهات مانحة وباحثين ومختصين بشأن التعليم حول العالم، وتهدف الشبكة إلى تأمين حق التعليم في حالات الطوارئ والأزمات على اختلافها.
وتستند المعايير للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات إلى مجموعة من المبادئ على النحو التالي:
- التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان للجميع، بمن فيهم المتضررين من الأزمات وعدم الاستقرار.
- يساعد التعليم على الحماية أثناء الأزمات ويضع أساساً مستداماً للتعافي والسلام والتنمية.
- ينبغي إدراج التعليم في جميع الاستجابات الإنسانية.
- العمل بنشاط على استدامة سياسات وخدمات التعليم، وتنسيقها عبر سلسلة مُتصلة من العمل الإنساني والتنموي، قبل وأثناء مرحلة الأزمات والتعافي منها.
- التعليم كغيره من المساعي الإنسانية والإنمائية الأخرى، يجب أن يلتزم بمعايير واضحة للجودة، وأن يكون هناك تحمل للمسؤولية عن النتائج.
- يمكن التعامل مع الأزمات التي تزعزع استقرار التعليم على أنَّها ليست حالات طارئة فحسب وإنَّما هي فرص للتغيير الإيجابي أيضاً.
- العمل التعاوني.
- احترام التنوُّع.
- تمكين الأصوات المهمَّشة من إبداء الرأي.
- الاعتراف بالاختلافات في السلطة والالتزام بالمساواة
وتم إصدار تلك المعايير ضمن خمس نطاقات رئيسة على النحو الموضح في الشكل التالي:
المعايير الدنيا للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات
-
جهود اليونسكو في أزمة كورونا
في إطار سعي منظمة اليونسكو لدعم جهود الدول الأعضاء في مواجهة الإغلاق الطارئ للمدارس، فقد أعلنت المنظمة في مطلع إبريل الماضي إلى إطلاق تحالف عالميّ للتعليم من أجل دعم الدول في توسيع نطاق أفضل حلول التعلّم عن بعد، والوصول إلى الأطفال والشباب الأكثر عرضة للخطر، وأشارت المنظمة عبر موقعها الرسمي (https://www.un.org/ar/coronavirus) إلى أن إغلاق المدارس بسبب وباء كورونا قد ألحق الضرر بأكثر من مليار ونصف المليار متعلّم موزّعين في 165 بلداً، وقالت المديرة العامة لليونسكو، السيّدة أودري أزولاي Audery Azoulay، في هذا السياق: “لم يسبق لنا أبداً أن شهدنا هذا الحد من الاضطراب في مجال التعليم، وإنّ إقامة الشراكات هي سبيلنا الوحيد للمضي قدماً. إذ يحثّ هذا التحالف على العمل المنسّق والمبتكر لإيجاد حلولٍ لا تقتصر على دعم المتعلمين والمدرسين في الوقت الراهن وحسب، بل تستمر معنا طوال عملية التعافي، وذلك مع إيلاء تركيز خاص لمبادئ الإدماج والإنصاف”.
ويسعى التحالف في المقام الأول إلى بلوغ الأهداف التالية:
- مساعدة البلدان في تعبئة الموارد وتنفيذ حلول مبتكرة ومناسبة للسياقات المحلية لتوفير التعليم عن بعد، وتعزيز النهج القائم على التكنولوجيا المتقدمة أو البسيطة أو تلك غير القائمة على التكنولوجيا.
- التوصل إلى حلول منصفة تكفل التعليم للجميع.
- ضمان الاستجابة على نحو منسق وتجنب تداخل الجهود.
- تيسير عودة الطلاب إلى المدرسة عند إعادة فتح المدارس وبالتالي تجنب ارتفاع معدلات التوقف عن الدراسة.
وجاء توجه اليونسكو إلى إطلاق التحالف العالمي للتعليم في ضوء رؤية المنظمة لحماية حقوق الأطفال الضعفاء والمحرومين والمهمشين اجتماعياً، بما في ذلك الفتيات والفقراء والمعوقين والمتعلمين النازحين، ومنح هذه الفئات من الاطفال أولوية خاصة، باعتبارهم الأكثر عرضة لفقدان فرصة التعلم، ومعاناة التدهور الصحي، وعلى الأرجح فإن العديد من هذه الفئات لن يعودوا إلى المدارس عند إعادة فتح هذه المؤسسات، لذا حاولت منظمة اليونسكو من خلال هذا التحالف دعم حقوق هذه الفئات في مختلف دول العالم .(Jolie, Azoulay, 2020)
-
التجارب الدولية في تطبيق التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد في إدارة الأزمة الناتجة عن وباء كورونا
اتبعت دول العالم أساليب مختلفة لمواصلة العملية التعليمية في ظل انتشار وباء كورونا، واستطاعت المؤسسات التعليمية اجتياز الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي 2019/2020 بشكل أو بآخر، وحدث التطور المفاجئ في المسيرة التعليمية في معظم دول العالم منذ نهاية شهر فبراير الماضي، والنصف الأول من شهر مارس، حيث أصدرت وزارات التعليم قرارات بإغلاق المؤسسات التعليمية، ضمن الإجراءات الاحترازية الهادفة لوقف انتشار الوباء أو التخفيف من حدة انتشاره، خاصة بعد انتقال هذا الوباء من بؤرته الأولى في مدينة ووهان الصينية إلى كافة دول العالم، وفيما يلي عرض لبعض التجارب العالمية والعربية، وتوضيح دور التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد في هذا المجال، مع إلقاء الضوء على التجربة السعودية بقدر من التفصيل.
الصين
تشير ساندرا تشو Sandra Chow مديرة الإبداع والتعلم الرقمي في أكاديمية كيستون Keystone الصينية في بكين إلى تجربة التعليم الطارئ التي بدأتها منذ فبراير الماضي، في أعقاب الإغلاق التام للمدارس في بكين، حيث سارع الفريق العامل مع ساندرا تشو إلى تصميم خطة تعليمية تتضمن تدريب المعلمين على إنتاج مقاطع فيديو، واستخدام الأدوات التفاعلية الأخرى، وتلبية الاحتياجات العاطفية والاجتماعية للطلاب، وتؤكد أن تلك التجربة أتاحت للمعلم اكتساب العديد من الخبرات، وأن كل ما يتم ممارسته خلال هذه التجربة يُعتبر إضافة مهمة إلى مسيرة المعلم المهنية، وتوضح تشو أهمية الاتصالات بشكل خاص خلال فترة الإغلاق، حيث تزداد المخاوف ويرتفع قلق الطلبة وأولياء الأمور حول سير العملية التعليمية أثناء الإغلاق، لذا يجب تقديم تعليمات واضحة ومحددة لكافة الأطراف، وتنصح المعلمين بإعداد قائمة بالأسئلة الأكثر تكراراً والردود عليها Frequently Asked Question (FAQ)، بحيث يكون الجميع على نفس المستوى من الإدراك للتحديات المرتبطة بالتعلم الإلكتروني، وأكدت تشو من خلال معايشتها لواقع تجربة التعليم الطارئ أن المعلمين بحاجة إلى بعض الوقت للتكيف مع هذه التجربة، وصياغة أهداف تعليمية مناسبة للطلاب ولظروف التعلم الإلكتروني، والاهتمام بالتغذية الراجعة لنتائج هذا التطبيق، والتواصل بين كافة الأطراف لإنجاح هذه التجربة (Snelling & Fingal, 2020) .
الولايات المتحدة الأمريكية
يشير تيرنر وآدام (Turner & Adame, 2020) ونيلسون (Nilson, 2020) إلى قرار الإغلاق المفاجئ للمدارس الأمريكية في منتصف مارس، والذي بدأ في 12 ولاية أمريكية وشمل باقي الولايات فيما بعد، وأسفر عن بقاء 56.6 مليون طفل في منازلهم، وبدأت المدارس في الانتقال إلى تجربة التعليم الطارئ عن بعد، وظهر تفاوت بين الولايات الأمريكية المختلفة في تلك التجربة، كما اتضح وجود فجوة رقمية حقيقية يعيشها المجتمع الأمريكي، حيث أظهر تقرير اسوشيتدبرس Associated Press أن 17% من الطلاب الأمريكيين ليس لديهم حاسوب شخصي في المنزل، وأن 18% منهم لا توجد لديهم إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت، فعلى سبيل المثال فإن 30٪ فقط من الأسر الريفية في كاليفورنيا مشتركة في خدمة الإنترنت، 20٪ من جميع طلاب كاليفورنيا ليس لديهم وسيلة للاتصال بالإنترنت في المنزل، وبلغت نسبة عدد الأطفال إلى عدد الأجهزة في مدينة بالتيمور في ولاية ميريلاند 1:4.
ولحل هذه المشكلة قدمت بعض المناطق التعليمية المحتوى التعليمي في شكل حزم ورقية لأي طالب ليس لديه جهاز حاسوب شخصي، أو غير قادر على الوصول إلى الإنترنت، كما قامت بعض المناطق بتوفير أجهزة محمولة للتعليم ونقاط اتصال واي فاي Wi Fi، وعلى سبيل المثال تم توزيع أجهزة Chromebook في نحو 20000 مدرسة في بوسطن، و 37000 مدرسة في شيكاغو، ولجأت بعض المدن الأمريكية إلى بث برامج تعليمية عبر محطات التلفاز المحلية أو تخصيص قنوات تليفزيونية للتعليم.
وأظهرت نتائج دراسة أجرتها مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث، وشملت 1000 معلم ومعلمة و1000 من مديري ومديرات المدارس في مختلف الولايات الأمريكية، أنه بالرغم من اشتراك جميع المعلمين في تجربة التعليم الطارئ عن بعد، فقد أفاد 12% فقط من أفراد العينة بأنهم قاموا بتغطية المناهج الدراسية الكاملة التي كانوا سيغطونها إذا لم تغلق المدارس، وأشار أفراد العينة إلى الحاجة للتخطيط بشكل أفضل في تلك الحالات الطارئة، وأكدت نتائج الدراسة على موضوع الفجوة الرقمية، حيث أفاد تسعة بالمائة فقط من المعلمين في المدارس التي تخدم نسبًا عالية من الطلاب ذوي الدخل المنخفض أو الطلاب الملونين أن جميع طلابهم أو جميعهم تقريبًا يكملون مهامهم، مقارنة بنحو ربع المعلمين في المدارس الأخرى (Hamilton, 2020).
إيطاليا
كانت إيطاليا أول دول القارة الأوروبية التي عايشت تجربة وباء كورونا، وتتميز إيطاليا بعدد من الخصائص في المجال التعليمي والتكنولوجي من بين دول القارة الأوروبية، حيث تشير إحصائيات منظمة الأمن والتعاون الاقتصادي الأوروبي OECD أن نحو 59% من معلمي إيطاليا تتجاوز أعمارهم الخمسين عاماً، وتقع إيطاليا في المرتبة الرابعة والعشرين من بين 28 دولة أوروبية على مؤشر الرقمنة Digitalization، كما تشير الإحصائيات أن 23.9% من العائلات الإيطالية لا يُمكنها الوصول إلى الإنترنت، وبدأ إغلاق المدارس والجامعات الإيطالية منذ نهاية فبراير الماضي، وفي الرابع من مارس اُغلقت تلك المؤسسات بشكل تام (Jones, 2020).
وفي ضوء هذه المعطيات فقد شكل الانتقال إلى التعليم الطارئ أو استخدام الإنترنت في التعليم تحدياً حقيقياً للمؤسسات التعليمية وبشكل خاص للمدارس، وأشار بيتر لونتز Peter Luntz وهو مدير مدرسة لغات دولية في مدينة ميلانو، إلى أنه كانت هناك حاجة ماسة للحصول على بنية تحتية تكنولوجية في وقت قصير، بالإضافة إلى أن معظم معلمي المدارس ليس لديهم الخبرة الكافية باستخدام الإنترنت في التعليم، كذلك فقد كان الطلاب أقل استعداداً للتواصل عبر الإنترنت، بالإضافة إلى مشكلة استخدام الإنترنت في الوقت الذي كان يعمل فيه الجميع من المنزل، ولمواجهة هذه المشكلات فقد قررت الحكومة الإيطالية تخصيص ميزانية طارئة بقيمة 70 مليون يورو لتوفير أجهزة حاسوب لجميع الطلاب (Speak, 2020).
وحاولت المدارس الإيطالية التعامل مع حالة الطوارئ بشكل مبكر، مع الإفادة من الخبرة السابقة لمدارس جنوب شرق آسيا التي واجهت نفس الحالة، وتم تدريب المعلمين على استخدام المواقع والتطبيقات الخاصة بالتعليم والتواصل عبر الانترنت ومنها Microsoft Teams، Face Time، Google Hangouts، Seesaw، Zoom، وأظهرت آراء المعلمين أن الطلاب ذوي المستوى المتقدم في الصف الدراسي التقليدي هم الأفضل من حيث الأداء والمتابعة عبر الإنترنت، وعانى بعض المعلمين لجوء بعض الطلاب إلى التهرب من متابعة الدروس عبر الإنترنت بدعوى انقطاع الاتصال، أو محاولة إيقاف الكاميرا أو تعطيل الصوت، وحاول المعلمون التغلب على تلك المشكلات من خلال إيجاد طرق جديدة لجذب الأطفال نحو التعلم عبر الإنترنت، بالإضافة إلى محاولة بعضهم أداء دور الأخصائي أو المرشد الاجتماعي للتخفيف من حالة التوتر والقلق التي عاناها الأطفال الإيطاليون بشكل واضح (Winter, 2020).
وبالنسبة للدول العربية، فسيتم التطرق إلى بعض التجارب على النحو التالي:
مصر
جاء انتشار وباء كورونا بمثابة فرصة للإفادة من المكتبة الإلكترونية التي أعدتها وزارة التربية والتعليم المصرية والمعروفة باسم “بنك المعرفة المصري”، وتضم المكتبة جميع المناهج الدراسية بدءاً من رياض الأطفال وحتى الصف الثالث الثانوي باللغتين العربية والإنجليزية على https://study.ekb.eg، مع إمكانية التواصل بين المعلمين والطلاب والآباء عبر منصة Edmodo الرقمية، وجاء تفعيل تلك المنصة في وقت متأخر نسبياً وبعد أكثر من شهر من إغلاق المدارس والجامعات، وذلك في السابع من أبريل الماضي، وبالنسبة للطلاب الذين لا تُتاح لهم إمكانية الاتصال بالإنترنت، فقد استعانت الوزارة بالقنوات التعليمية لشرح المناهج للسنوات الدراسية المختلفة، لمساعدة قرابة 22 مليون طالب، وأوضح وزير التعليم المصري أن طلاب مرحلة رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي، سيتلقون مناهجهم عبر نظام التعلم عن بعد الجديد، أما طلاب الصف الثالث الابتدائي إلى الصف الثاني الإعدادي (الثاني المتوسط) فلن يخوضوا امتحانات نهاية العام الدراسي الحالي، مع الاكتفاء بعمل مشروع بحث عبر الإنترنت، بينما ستجرى امتحانات الشهادات العامة والدبلومات الفنية في مواعدها داخل لجان الامتحانات المعتادة، في حين يجري طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي اختباراتهم عبر “التابلت” من المنزل، على أن يتم تصحيح الاختبارات إلكترونياً (خيري وآخرون، ٢٠٢٠)
الأردن
أعلنت وزارة التربية والتعليم الأردنية تعليق دوام المؤسسات التعليمية اعتباراً من 15 مارس الماضي، وسارعت الوزارة إلى البحث عن حلول بديلة لمواصلة العملية التعليمية، وعملت الوزارة مع عدد من المنصات الرقمية ومنها: منصة أبواب، وموضوع، وموقع جو أكاديمي، ومنصة إدراك، ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، لإطلاق قناتين متلفزتين، ومنصة درسك التعليمية وهدفت المنصة إلى تقديم الدروس التعليمية لاستكمال المنهاج الدراسي عبر القناة الرسمية، وشارك معلمون أكفاء ذوي خبرة عالية في التعليم في تقديم المحتوى التعليمي الموجه لنحو 2 مليون طالب في مختلف المراحل التعليمية، وتم تخصيص استوديوهات مزودة بتقنيات متقدمة لتصوير المقاطع التعليمية، واستطاعت فرق العمل إنتاج 1400 فيديو تعليمي خلال ثلاثة أسابيع، وتم إعداد الجداول الدراسية وتحديد المحتوى الدراسي على يد مشرفين تربويين مختصين، وسجلت المنصة أكثر من23 مليون مشاهدة في الأسابيع الـثلاث الأولى بعد إطلاقها، وفقا لوزارة التربية والتعليم (خيري وآخرون، 2020).
الإمارات
لدى دولة الإمارات العربية المتحدة تجربة ثرية في مجال التعلم الإلكتروني واستخدام التكنولوجيا في العملية التعليمية بشكل كبير، وتمكنت وزارة التربية والتعليم الإماراتية، بالتعاون مع جامعة حمدان بن محمد الذكية، من تأهيل أكثر من 42 ألف معلم في مجال التعلم الإلكتروني، من خلال دورة مجانية بعنوان “كيف تصبح معلما عن بعد في 24 ساعة”، وجاء تحرك الوزارة بشكل سريع في أعقاب إغلاق المدراس في الثامن من مارس الماضي، حيث أطلقت الوزارة مبادرة التعلم عن بعد للحلقة الثانية والمرحلة الثانوية ابتداءً من 22 مارس الماضي، ووفرت نظاماً للمدارس الخاصة المطبقة لمنهاجها، يتيح لها تطبيق المبادرة من خلال إنشاء حساب خاص بها يمكنها من إضافة كافة معلميها وطلابها عليه (حلاوة وآخرون، 2020).
كذلك أعدت الوزارة حقائب تدريبية إلكترونية لكافة معلمي المدارس الحكومية وتم تأهيل 620 مدرسة حكومية بالتعاون مع مبادرة محمد بن راشد لتطبيق «التعليم عن بُعد»، كما تم تدريب 508 من مديري المدارس على الأنظمة المعتمدة للمبادرة، ونفذت الوزارة 1196 ورشة تدريبية لجميع الفئات والجهات التعليمية، إلى جانب عقد ورش تدريبية للمعلمين حول كيفية استخدام نظام التعليم عن بعد، وتم تأكيد فاعلية عمل النظام، كما أطلقت الوزارة منصة “مدرسة” التعليمية الإلكترونية الرائدة من نوعها، كمنظومة للتعليم عن بعد في الإمارات والعالم العربي، وأعدت دليلا للطالب للتعلم عن بعد، وبالنسبة لواقع التطبيق فقد تم وفق نظامي الفصول المتزامنة وغير المتزامنة، وتم اعتماد 45 دقيقة زمناً للحصة الواحدة في الحلقة الأولى، بواقع 4 حصص مسائية، أما الحلقة الثانية فزمن الحصة 50 دقيقة، بواقع 4 حصص صباحية وساعة إثرائية مسائية، وفي المرحلة الثانوية يكون زمن الحصة ساعة كاملة، بواقع 4 ساعات صباحية وساعتين مسائيتين (https://almanahj.com).
المملكة العربية السعودية
للمملكة العربية السعودية تجربة ثرية في إدارة الأزمات التي تواجه المسيرة التعليمية ظهر ذلك في الحد الجنوبي ففي عام 2016 تم توقيع برنامج للتعليم عن بعد، بالتعاون بين وزارة التعليم وشركة تطوير التعليم، وصرح معالي وزير التعليم في حينه أن تقديم هذه الخدمة النوعية في مجال التعليم يعد واجباً لتمكين الطلاب من مواصلة تعلمهم تحت أي ظرف، وأن شركة تطوير التعليم قامت بالتحضير لهذا البرنامج ولديها القدرات لتنفيذه على أكمل وجه للمساعدة في تقديم التعليم والخدمة في هذا الوقت خصوصاً للذين تأثروا من االأزمات, مبيناً أن وزارة التعليم وفرت بدائل تعليمية في الحد الجنوبي واستفادت من تطوير البرامج الإلكترونية وبث بعض البرامج عن طريق القنوات التلفزيونية التي أعدت لهذا الغرض، وأكد استعداد الوزارة لتقديم المساعدة في أي وقت في جميع الظروف
أما بالنسبة لإدارة الأزمة التي نتجت عن وباء كورونا فقد أعلنت وزارة التعليم السعودية إغلاق مؤسسات التعليم المختلفة منذ الثامن من مارس وفقاً للأمر السامي الكريم رقم (42874)، وتم تشكيل لجنة مختصة في وزارة التعليم لمتابعة مستجدات انتشار وباء كورونا، وبادرت الوزارة إلى تحديد باقة منوعة من خيارات التعليم عن بُعد لأكثر من ستة ملايين طالب وطالبة على مستوى المملكة، وذلك بعد عشر ساعات من قرار تعليق الدراسة، ومن دون توقف للعملية التعليمية ليوم واحد، وذلك بإشراف مباشر من معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ.
وحسب ما أفادت وزارة التعليم السعودية، فقد تم تفعيل منصات التعلم الإلكتروني للتعليم العام الحكومي والتعليم الأهلي، بالإضافة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات العاجلة على النحو التالي:
- إنجاز مبنى المدرسة الافتراضية في أسبوع واحد، حيث تم تأثيث مقر المدرسة والبث الفضائي، وتوريد وتركيب 20 سبورة ذكية، وتدريب الكادر التعليمي على تصوير المقاطع التعليمية.
- تم إعداد دروس يومية لشرح المناهج، بمشاركة 276 معلم ومعلمة، و73 مشرف، وتم شرح 3368 درس، وبلغ عدد الساعات التدريسية 1684 ساعة.
- بالإضافة إلى دروس لمراجعة المناهج، بمشاركة 123 معلم ومعلمة، و73 مشرف، وتمت مراجعة 1107 درس، وبلغ عدد الساعات التدريسية 554 ساعة.
- اتبعت الوزارة تطبيق التعليم عن بعد وفق أسلوبي التفاعل المتزامن والتفاعل غير المتزامن على النحو التالي:
- تم تطبيق التفاعل المتزامن عبر تطبيق المدرسة الافتراضية والتي شملت منظومة التعليم الموحدة، وبوابة عين، وبوابة المستقبل، وتطبيق الروضة الافتراضية.
- وتم تطبيق التفاعل غير المتزامن عبر قنوات عين الفضائية، وقنوات دروس عين عبر اليوتيوب.
وأتاحت القنوات والمنصات السابقة العديد من الخيارات للطلاب والطالبات لمواصلة التعليم والتعلم عن بعد، عبر الإنترنت أو عبر القنوات الفضائية، لمن لا تُتاح لهم إمكانيات الاتصال بالإنترنت، وشهدت تلك القنوات تفاعلاً كبيراً من قبل الطلاب والطالبات، وأسهمت بشكل كبير في مواصلة العملية التعليمية بنجاح، وفيما يلي تعريف موجز بتلك القنوات:
بوابة المستقبل: منصة تعليم إلكتروني متكاملة لمختلف المراحل التعليمية، وتمت زياتها أكثر من 20 مليون زيارة، واستفاد من خدماتها ما يزيد عن 700 ألف طالب وطالبة.
قنوات عين الفضائية: مجموعة مؤلفة من 20 قناة فضائية تشمل كافة المراحل الدراسية، وتعمل القنوات على مدار الساعة.
قنوات عين عبر اليوتيوب: وهي قنوات بث مباشر عبر اليوتيوب، وفاق عدد مشاهداتها 60 مليون مشاهدة.
بوابة التعليم الوطنية (عين): تقدم البوابة محتوى رقمي يحتوي على أكثر من 45 ألف مادة تعليمية افتراضية، وأكثر من 2000 كتاب رقمي.
الروضة الافتراضية: نظام تعليمي متكامل لمرحلة الطفولة المبكرة.
منظومة التعليم الموحد: تحتوي المنظومة على دروس وأنشطة تعليمية رقمية في بيئة تعليمية تفاعلية بين المعلم والطالب، وتقوم منصة عين بشرح يومي للمناهج الدراسية لكافة المراحل التعليمية، وجاء قرار المملكة بتفعيل نظام “بلاك بورد” بعد انتشار فيروس كورونا، وتوفر المنظومة مزايا عديدة للمعلمين ومنها:
- تسجيل حضور وغياب الطلاب.
- إضافة الواجبات والاختبارات والمقررات للطلاب.
- إعداد الدروس الافتراضية.
- إعداد المسارات التعليمية لمجموعة مخصصة من الطلاب.
- الإجابة على استفسارات الطلاب المرسة عبر غرف المعلمين.
وأصبح موقع منظومة التعليم الموحد من أبرز الحلول المتاحة للتعليم عن بعد بالمملكة العربية السعودية من أجل التواصل مع الطلاب ويشتمل على جميع الخدمات التي تخص التعليم بالسعودية لجميع الطلاب والطالبات، بالإضافة إلى العديد من الوسائل التي سهلت على الطلاب والطالبات استكمال مسيرتهم التعليمية بشكل ميسر.
ويتضح من هذا العرض الموجز لتجربة المملكة العربية السعودية وجود العديد من الخيارات المتاحة أمام طلاب وطالبات المملكة لمتابعة المسيرة التعليمية، وتقديم التعليم عن بعد ببدائل متعددة عبر الإنترنت أو عبر الفضائيات، كما يُلاحَظ المبادرة الفورية لوزارة التعليم لاتخاذ الإجراءات اللازمة وعدم توقف الخدمات التعليمية لكافة المراحل الدراسية. واتفقت التجربة السعودية مع نظيرتها في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تتمتع دولة الإمارات بتجربة وخبرة كبيرة في مجال استخدام التكنولوجيا في التعليم، واختلفت تلك التجربة عما سبق استعراضه من تجارب، والتي شهدت تباطئا في تطبيق إجراءات التعليم عن بعد، أو التركيز بشكل أكبر على استخدام الإنترنت في هذا المجال.
ويُمكن تفسير مبادرة وزارة التعليم السعودية للتعامل مع وباء كورونا وما شكله من تهديد للعملية التعليمية، في ضوء خبرة المملكة السابقة في إدارة الأزمات التعليمية، حيث كان لوزارة التعليم السعودية تجربة ثرية سابقة في تقديم خدمات التعليم عن بعد للطلاب والطالبات على الحدود الجنوبية للمملكة، واشتملت الخطة التنفيذية في تقديم العملية التعليمية على خيارات متعددة، وحافظت على حقوق الطالب الأساسية في الحصول على التعليم بالاتصال المباشر بمعلميه من خلال مشروع التوأمة بين المدارس، كما جرى تفعيل بدائل تعليمية إلكترونية أخرى، كقنوات «دروس» التعليمية وقناة «عالي» الفضائية، والاستفادة من منصات التعليم عن بعد.
استشراف مستقبل التعليم عن بعد والتعلم الإلكتروني بعد كورونا
لا يزال العالم يعاني من وطأة انتشار وباء كورونا، وفي ظل عدم اليقين حول انحسار أو انتهاء هذا الوباء، فإن خيار التعليم عن بعد قد لا يُعد تحولاً طارئاً في العملية التعليمية، وتُثار العديد من الأسئلة حول طبيعة العملية التعليمية بعد كورونا، هل ستعود الأمور لطبيعتها؟، أم أن هناك حاجة ملحة لإجراء عملية مراجعة شاملة للعملية التعليمية داخل الصف الدراسي؟، والحاجة إلى التهييئ لمواجهة أي طارئ جديد أو التعليم في ظل التعايش مع وباء كورونا؟، أو باختصار، هل يُمكن اعتبار ما طرأ على التعليم نتيجة انتشار وباء كورونا بمثابة فرصة لإعادة النظر من جديد في العملية التعليمية؟.
وتتطلب الإجابة عن تلك الأسئلة ومحاولة استشراف مستقبل التعليم عن بعد والتعلم الإلكتروني توضيح المشكلات التي صاحبت تلك التجربة، والتي يُمكن إيجازها على النحو التالي:
- ضعف البنية التحتية التكنولوجية اللازمة لتطبيق التعليم عن بعد والتعلم الإلكتروني، فلا يُمكن اعتبار أن إمكانية الاتصال بالإنترنت متاحة وممكنة لجميع الطلاب، ففي مختلف دول العالم هناك العديد من المناطق النائية أو الريفية، أو بعض الفئات الاجتماعية لا تتيسر لهم إمكانية الاتصال بالإنترنت.
- يتطلب تطبيق التعليم الطارئ عن بعد وجود جهاز شخصي خاص مخصص للتعلم لكل طالب بشكل مستقل، وأصبح هذا الأمر أكثر صعوبة في ظل عمل الآباء من المنزل، بالإضافة إلى وجود أكثر من طالب في نفس المنزل وحاجة الجميع لاستخدام أجهزة الحاسوب أو الأجهزة المحمولة بغرض التعلم أو العمل.
- وجود قدر كبير من المشتتات اثناء التعليم والتعلم عبر الإنترنت، كالتصفح المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي، أو مشاهدة مقاطع فيديو ليست ذات صلة بالمحتوى التعليمي، وغير ذلك من تطبيقات تهدر الوقت دون فائدة مرجوة.
- يتطلب التعليم الطارئ عن بعد مشاركة الآباء لأبنائهم في متابعة التحصيل الدراسي، وخاصة في حالة الطلاب في المراحل الأولى من التعليم، ويتعلق هذا الأمر بجانبين مهمين: عمل أحد الوالدين أو كليهما من المنزل وعدم وجود الوقت الكافي لمتابعة أبنائهم، والأمر الثاني يتمثل في مدى تمكن هؤلاء الآباء من استخدام التطبيقات التكنولوجية واستخدام الإنترنت في متابعة تعليم أبنائهم.
- عدم الإعداد المسبق للمعلمين لاستخدام الإنترنت والأدوات والتطبيقات التكنولوجية في مجال التعليم، وحاجة المعلمين إلى التدريب بشكل مهني لإنجاز كافة المهام التعليمية عبر الإنترنت.
- شيوع الاعتقاد لدى الطلبة والآباء بأن التعليم الطارئ عن بعد جاء كإجراء شكلي لاستكمال المسيرة التعليمية، وعدم الجدية في متابعة التعليم عن بعد.
وفي محاولة للتغلب على تلك المشكلات وتحديد طبيعة العملية التعليمية بعد كورونا، فقد ظهرت العديد من المقترحات لتطوير واقع التعليم عن بعد، ومنها ما قدمته مؤسسة دبي المستقبل ضمن رؤيتها لمستقبل التعليم على النحو التالي:
- قد تبدأ الهيئات التنظيمية في قطاع التعليم بإجراء تغييرات تحولية عدة في التعليم التقليدي، وتطوير حلول مبتكرة مثل تدريب الآباء والأمهات على التدريس، لتغيير الأنظمة بصورة استباقية بدلاً من الاستجابة للظروف غير المتوقعة.
- عندما يصبح التعلم خارج الفصول الدراسية أكثر انتشاراً، ستزداد مشاركة الطلاب وأسرهم في تصميم أدوات التعلم ومناهج التدريس.
- ستتغير الرسوم المستحقة للمدارس ومطوري البرامج ومقدمي المناهج الدراسية عن بعد كثيراً، خاصة في النظم التعليمية التي تدفع فيها الأسر الرسوم المدرسية، وقد تحتاج المدارس إلى مساحة أقل حين تستخدم أفواج الطلاب مرافق المدرسة بنظام التناوب.
- سينطلق نقاش عالمي للاعتراف بجدارة التعليم عن بعد والمؤهلات التي يُمكن اكتسابها وتعلمها باستخدام منصات التعليم على الإنترنت.
وبالإضافة إلى ما سبق يُمكن التقدم ببعض المقترحات التي تسهم في تطوير العملية التعليمية، بما يُمكن جميع الأطراف من التعامل مع أي طارئ بقدر أكبر من المرونة، وذلك على النحو التالي:
-استحداث إدارة الكوارث والأزمات في وزارة التعليم.
-استقطاب خبراء محليين من التعليم العام والعالي.
-استثمار الكفاءات الوطنية من الشباب والشابات المتخصصين في تكنولوجيا التعليم ومناهج التدريس وإلادارة التعليمية
-الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة وضرورة مواءمتها وتوطينها حسب البيئة السعودية واحتياجات طلاب الوطن.
-تحويل المقررات إلى إلكترونية وتفعيل التعليم المدمج وتدريب جميع منسوبي التعليم خلال الأيام العادية على توظيفه مثل أن يكون تعليم مباشر ٤ أيام واليوم الخامس إلكتروني..
-استخدام التعلم المنعكس أو الفصول المقلوبة وتدريب المعلمين على أركانها كالتعلم النشط والتكنولوجيا.
-تحقيق تكافئ الفرص والعدالة التعليمية بحيث يصل التعليم لكل مناطق وقرى وهجر المملكة في حال الأزمات باستخدام البث التلفزيوني المباشر والمسجل مع تدريب مكثف للمعلمين مقدمي الخدمة على مهارات الاتصال وتوظيف التقنية وإدارة التعلم.
-توفير عربات متنقلة للإنترنت والجيل الخامس بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في الأماكن التي تعاني ضعف الشبكة أو تكون خارج التغطية.
-استحداث إدارة تختص بالتصميم التعليمي مكونة من كوادر مؤهلة من أخصائيي تكنولوجيا التعليم تعمل على صياغة المناهج وتصميمها ودراسة الواقع والاحتياجات التعليمية وتصميم السيناريوهات وإخراجها وإنتاجها وتقويمها .
-الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات انترنت الأشياء مثل تقنية التعرف على الوجه و تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو ،Radio-frequency identification (RFID)، وهي تقنية تستخدم المجالات الكهرومغناطيسية للتحديد التلقائي ورقاقات التتبع المرفقة بالأشياء وأنظمة إدراك السياقات Context-aware pervasive systems، وهو نظام يمكنه فهم سياق موقف معين ومشاركة هذا السياق مع أنظمة أخرى لاستجابتها أو الاستجابة بنفسها، التي تصف حالة معينة مثل حالة الطالب ومكان تواجده سواء في الملعب أو المنزل لضبط الاختبارات.
- تدريب المعلمين والطلاب على تطبيق الصف المنعكس Flipped Classroom في العملية التعليمية، بحيث يُصبح باستطاعة كل من المعلم والطالب استخدام الأدوات والتطبيقات التكنولوجية في عملية التعليم والتعلم، ووفق هذا الأسلوب تبدأ عملية التعلم من المنزل أو خارج قاعات الدراسة باستخدام تقنيات الاتصال الحديثة، وصولاً إلى ممارسة أنشطة التعلم في قاعات الدراسة، بالإضافة إلى تعزيز شعور الطالب بمسؤوليته عن التعلم وتحديد مهام تعليمية ينبغي عليه إنجازها اثناء تواجده في المنزل، وتخصيص وقت الحصة الدراسية للمزيد من الأنشطة التعليمية التعلمية، مما يعني مضاعفة وقت التعلم، والجانب الأكثر أهمية في تطبيق هذا الأسلوب يأتي من دعم استخدام الأدوات والتطبيقات التكنولوجية من قبل الطالب اثناء تواجده في المنزل، بهدف التعلم.
- حث المعلمين والطلاب على إحضار أجهزتهم الشخصية لبيئة الصف الدراسي لأداء مهامهم التعليمية BYOD.
- اعتماد التعليم المدمج بجانب التعليم التقليدي، بحيث يتم الجمع بين التعليم وجهاً لوجه Face to Face داخل قاعات الصف الدراسي مع الاستخدام المكثف للأجهزة الكفية أو اللوحية المحمولة، والتطبيقات والأدوات التكنولوجية المخصصة للتعليم والتعلم، على أن يتم هذا الأمر بشكل يتناسب مع طبيعة الطلاب وخصائصهم المعرفية في مختلف المراحل الدراسية.
- تخصيص الميزانيات الكافية لتوزيع أجهزة كفية على الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة، وتُخصص للتعليم والتعلم، وإنتاج المحتوى التعليمي لكافة المراحل الدراسية بصورة رقمية.
- العمل على إطلاق المنصات الرقمية التفاعلية، بحيث تشتمل على عرض المحتوى التعليمي بصورة مختلفة، عبر مقاطع الفيديو، أو المقاطع الصوتية، إلى جانب أنشطة التقويم والتغذية الراجعة، إلى جانب إطلاق فضائيات تعليمية لمساعدة الطلاب الذين لا يُمكنهم الوصول إلى شبكة الإنترنت.
- تدريب الآباء على استخدام التكنولوجيا في التعليم، وتعزيز ثقافة التعلم عن بعد لديهم، ففي ضوء احتمال بقاء الطلاب في منازلهم، أو العمل بنظام التناوب في المدارس، فإن للآباء دور كبير في متابعة التحصيل الدراسي ومتابعة مدى التزام ابنائهم بإنجاز كافة الأنشطة التعليمية الخاصة بهم عبر الإنترنت.
- الإفادة من شغف الطلاب باستخدام الإنترنت والأجهزة الكفية المحمولة والهواتف الذكية، وتوجيه اهتماماتهم إلى الإفادة من الثورة الرقمية المعاصرة في مجال التعليم والتعلم، والإقلال من هدر الوقت أثناء تصفح مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من مشتتات الانتباه.
وش اسوي