الإدمان على العمل
يُعد الإدمان حالة مرضيّة تشير إلى عدم قدرتك على التخلص من عادةٍ تلازمك، وتتعدد أصناف الإدمان كما نعلم بين إدمانٍ للمخدرات، وإدمانٍ لألعاب الفيديو مثلًا، ويعاني بعض الأشخاص من نوع غريب من الإدمان ألا وهو إدمان العمل، إذ يُعد حالة صحيّة عقلية شبيه بأي إدمان آخر، ويعاني الأشخاص المصابون بهذا الإدمان من عدم القدرة على التوقف عن العمل، ومما يجدر ذكره أن أصل هذا الإدمان يعود إلى الرغبة في تحقيق النجاح أو الهروب من التوتر العاطفي، ولكن النجاح الوظيفي واحد من أبرز مسببات هذا الإدمان، وقد لا يتمكّن الشخص من ترك الإدمان على العمل بالرغم من التأثيرات السلبية التي يؤثر بها على حياته الشخصية أو صحته العقلية أو الجسديّة.
أضرار الإدمان على العمل
يشعر الجميع بمدى استهلاك العمل لأوقاتهم وخاصةً عندما تكون ساعات العمل أطول من اللازم، ويصاحب ذلك إرهاق مبنيٌ على عوامل أخرى مثل طول فترة التنقل، والمسؤوليات الخارجية، وبيئة العمل، بالإضافة إلى مشاعر التقدير والرضى عن الوظيفة وما إلى ذلك، كما تترتب مجموعة أضرار لإدمان الأشخاص على العمل تتراوح بين نفسية واجتماعية وصحية وغيرها، وفيما يلي بعض أبرز هذه الأضرار:
- توقّف الإنتاجية: من البديهي أن يعتقد الأشخاص أن ساعات العمل الإضافية تساهم في رفع الإنتاجية، وفي المقابل إن زيادة ساعات عملك دون الحصول على نتائج ملحوظة يمكن أن تؤدي إلى تقليل إنتاجيتك المعتادة أو حتى إيقافها، ووفقًا لبحث صادر عن جامعة ستانفورد ظهر أن الأشخاص العاملين بمعدل 70 ساعة أسبوعيًا لا يقدّمون إنتاجية أكبر من زملائهم الذين يعملون 56 ساعة أسبوعيًا، لذا عليك تنظيم قائمة مهامك الخاصة لتجنب الإرهاق، كما يمكنك تجنب إنجاز المهام المطلوبة دفعةً واحدة، إذ إن تعدد المهام يؤدي إلى تقليل إنجازك لها، ويمكنك الاعتماد على طريقة إنجاز المهام GTD التي تركز على إدارة الوقت والتنظيم في سبيل تحقيق الكفاءة والإنتاجية.
- قلة النوم والشعور بالإرهاق: يمكنك موازنة الأمور سريعًا، فالاستيقاظ الطويل يؤدي إلى نوم أقل، وبالتالي الحصول على المزيد من الإرهاق خلال فترات النهار، يقول سايمون: “إذا كنت تعمل خلال يوم العمل لفترات طويلة من الوقت، فمن الصعب جدًا تهدئة عقلك خلال فترة النوم”، كما أن النوم القليل سيجعلك غاضبًا ويقلل من إنتاجيتك، بالإضافة إلى دوره في زيادة احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وبعض الأمراض القلبية، لذا عليك أن تحصل على فترات كافية من الراحة، فوفقًا لصحيفة أتلانتيك فإن التوازن المثالي في استراحة العمل هو العمل لمدة 52 دقيقة والاستراحة لمدة 17 دقيقة، ويمكن استغلال فترات الراحة هذه للمشي خارجًا أو التحدّث مع الأصدقاء أو إنجاز بعض تمارين الإطالة، وهو حلّ مفيد أحيانًا للتغلّب على النُعاس أثناء العمل.
- الشعور بالحزن: لعلك ترغب دائمًا بقدوم نهاية الأسبوع للاستمتاع بالعطلة، ففهي حال كنت تعمل خلال عطلة نهاية الأسبوع سيكون الأمر محزنًا ومرهقًا لك، ويمكن لساعات العمل الطويلة أن تُؤثر على صحتك العقلية، ووفقًا لمجلة plos one ظهر أن العمال الذين يعملون 11 ساعة يوميًا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من أولئك الأشخاص الذين يعملون 7-8 ساعات يوميًا، لذا عليك تجربة التأمل meditation القادرة على جعلك حاضرًا تركز على أمر واحد دون التشتت، أو أن تلجأ لزيارة طبيب مختص والاستفادة من خبرته.
- تسريع عمل القلب: قد لا تلاحظ هذا النوع من أضرار الإدمان على العمل، ولكن ضغوط العمل يمكن لها أن تطلق هرمون الكورتيزول، وهو هرمون مضر لقلب الإنسان يصعب عليك تحمّله، فهو يزيد من خطر السكتة الدماغية، وأمراض أخرى مثل السكري من الدرجة الثانية، ومرض الشريان التاجي وصولًا للسرطان، لذا لا بد لك أن تجرّب بعض التمارين المكتبية بعيدًا عن محاولة معالجة الأمر بالوقوف فقط، وإنما خطط لتناول القهوة مع زملائك خارج المكتب خلال أوقات الدوام لتحريك قدميك، أو أن تخطط لتناول الغداء بعيدًا عن مكتبك، مما يضمن لك المشي قليلًا.
- الشعور بآلام الظهر والرقبة: لا يمكن للتكرار أن يكون جيدًا دومًا، فوفقًا لدراسة منشورة في مجلة الطب المهني والبيئة ظهر أن زيادة عدد ساعات عمل الأشخاص تزيد من أخطار تعرضك لآلام في الظهر، ومن الجدير ذكره أن النساء يشعرن بألم في منطقة الرقبة، بينما يشعر الرجال بالألم في منطقة أسفل الظهر، ويقول الدكتور سايمون: ” هذه علامة للإجهاد الناجم عن توتر العضلات”، لذا فكر في الحصول على العلاج المطلوب لتفادي هذه الآلام، أي أنه من غير الطبيعي ان تعاني من الام الظهر وما إلى ذلك.
- يؤثر على علاقاتك بالأشخاص: على الرغم من اعتقادك بوجود الوقت الكافي لإدارة علاقاتك عند الإدمان على العمل، إلا أن التوتر والاكتئاب والإرهاق الذي تعاني منه قد يؤثر سلبًا على تلك العلاقات، لذا جرب أن تُعطي الأولوية للأشياء الممتعة في جدول أعمالك، لما لذلك من أثر في استمرارية عملك لساعات عدة، وللتخلص من ضغط العمل أدرج بعض العناصر غير المتعلقة بالعمل في قائمة مهامك كالموسيقى، والتمارين، وقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء.
التغلب على إدمان العمل
إن الإدمان على العمل لا يمكن أن يقود إلى نتائج إيجابية بقدر ما يورث نتائج سلبية، لذا لا بد لك من الموازنة ما بين العمل وحياتك الشخصية، إذ يمكنك الحصول على حالة مثالية من خلال هذه الموازنة، والتي تقودك للحصول على مقدار كافٍ من الدخل والإنجاز في الأعمال من خلال الحفاظ على مستوى متوازن من الرضا الناتج عن الأنشطة الاجتماعية والترفيهية غير المتعلقة بالعمل، ومما يجدر ذكره أن الإدمان على العمل أو نقص العمالة والبطالة أمران يخلان بالتوازن بين عملك وحياتك الشخصية، والأكثر شيوعًا للأشخاص المهتمين بذلك التوازن هم ذاتهم الذين يبحثون عن المزيد من الوقت لعلاقاتهم الأسرية، ومما يجدر ذكره أن معظم الأشخاص الباحثين عن التوازن بين العمل والحياة الشخصية هم غير مدمنين على العمل، وإنما يعملون بجد وإخلاص، أو أنهم أشخاص يكسوهم الطموح، أو حتى يريدون العمل لساعات أطول لتغطية نفقاتهم المالية.
للتغلب على إدمان العمل وتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية عليك العثور على المستوى الأمثل في العمل والاستقرار فيه، إذ إنها احدى أكثر الطرق فاعلية في تحقيق التوازن المطلوب، لذلك لا يتوجب عليك دومًا السعي للحصول على ترقية أو الحصول على المزيد من المسؤولية أو المال، ولعل الاستراتيجية الأفضل للتغلّب على إدمان العمل هي العثور على وظيفة يمكنك الاستمتاع بها وتأدية آداء جيد، من ثم تحديد أسلوب حياتك وفقًا لذلك، ولكن عليك العِلم أن ذلك قد يتطلب تغيير الوظيفة أو التنحي عن السلم الوظيفي، كما تتوفر طريقة أخرى لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية ألا وهي الاستماع للعائلة أو شريكة حياتك والتحدث إليهم حول ما ينوون القيام به، ولا يعني ما سبق أن عليك تنفيذ جميع ما يطلبون، وإنما محاولة تنفيذ ذلك والعثور على حلول مرضية للجميع، وربما لا تجد ذلك محفزًا كالعمل، ولكن ستعتاد على ذلك شيئًا فشيئا، وأخيرًا عليك الابتعاد عن تسليم نفسك لصاحب العمل كليًا؛ أي عليك أن تعمل بقدر ساعات العمل المتفق عليها لا أكثر، ثم خذ إجازتك وافعل أمرًا ممتعًا، ولا تتردد في طلب إجازة مرضية عندما تكون مريضًا، فالحياة تنتهي والعمل لا ينتهي.
طرق للتعامل مع كثرة العمل
يتكبّد اقتصاد العالم مليارات الدولارات سنويًا نتيجة للإجهاد والإرهاق، علاوة على ذلك لن يكون الأمر ممتعًا عندما تتحمل الكثير من العمل ويتسبب لك بالكثير من التوتر والإرهاق، إذ ينبغي الموازنة والتغلب على زيادة ساعات العمل لتحسين الإنتاجية وما إلى ذلك، وفيما يلي جملة من النصائح الهامة تجعلك أكثر قدرة على التعامل مع كثرة العمل:
- أخبر رئيسك عندما تعاني من الإرهاق أو التوتر في العمل؛ لأن المعاناة في صمت لن تفيدك أبدًا، ولعلك ترى أن محادثة رئيسك في العمل حول هذا الأمر مخيف قليلًا، لذا هوّن على نفسك ولا تتردد كثيرًا، استعن بالمستشارين المهنيين لإعطائك بعض النصائح الهامة حول كيفية بدء وإنشاء المحادثة مع رئيسك في العمل.
- كن موظفًا محترفًا، وكن مستعدًا دائمًا لإكتشاف الحلول، لذا لا تتوجه نحو رئيسك في العمل وتتذمر حول كمّية الأعمال الكبيرة الموكولة إليك، بل عليك التفكير في حلّ هذه المشكلة سريعًا؛ كأن تفوض بعضًا من هذه المهام للآخرين، وتمديد المواعيد النهائية لتسليم تلك الأعمال، سيكون الأمور أفضل بكثير حينئذٍ.
- راعِ جودة العمل واجعلها أولوية في عملك، فمن المحتمل أن يحترم مديرك ذلك، فلا يوجد رئيس يودّ أن تتدهور جودة عملك؛ لأن ذلك يؤثر على جودة العمل الكلي، لذا توجّه إلى مديرك واشرح بأدب أن كمية الأعمال الكبيرة الموكّلة إليك يمكنها أن تتسبب بتقليل الجودة المرجوّة، وهذه استراتيجية مشروعة غالبًا ما يتجاوب معها المدير.
- تعلم أن تقول لا بأدب، لعلك تظن أن قولك “نعم” للأشخاص يُظهرك شخصًا مبتدئًا يمكنه فعل كل شيء، ولكن الحقيقة أن لا أحد يمكنه فعل كل شيء، لذا تعلم أن تقول “لا” بطريقة مهنية تجنبك الصدام مع زملائك أو مديرك.
- كن منضبطًا في أوقات الراحة، فإذا كنت تعمل لأيام متواصلة لمدة أسبوع كامل ستكون لديك فرصة أن تعمل بكفاءة أقل من المتوقّع، وبالتالي ستنخفض جودة عملك إلى جانب تأثر صحتك الجسدية والعقلية والعاطفية، لذا لا فائدة من الأوقات الإضافية من العمل دون الحصول على راحة، مع التأكد من أنها فترات راحة حقيقة، ويعني ذلك الابتعاد عن كافة أشكال العمل مثل وصول إشعارات البريد الإلكتروني أو التفكير والقلق بخصوص عملك.
- مارس الرياضة، جرب ممارسة الرياضة أو التأمل أو أي شيء يجعلك سعيدًا، ولربما تكون هذه النقطة الأكثر انتشارًا بين الناس، إذ يمكننا جميعًا أن نكون بحالة نفسية أفضل بعد الاسترخاء، وبالتالي الحصول على كمّ أكبر من السعادة والإنتاجية.
- حسّن من التوازن بين عملك وحياتك الخاصة، إذ إن التمتع بحياة عاطفية وإيجابية خارج أوقات العمل يمكن أن يجلب لك المزيد من الهمة والنشاط والتوازن في حياتك، ولعل دمج الهوايات والاهتمامات في أعمالك تزيد من مستويات الشغف لديك.
- لا ينبغي أن تتأثر حياتك الاجتماعية بسبب عملك، عليك زيادة الأصدقاء والجلوس برفقتهم فهم جزء هام يساهم في توازن حياتك، ولعل التواصل مع الأصدقاء يساهم في تخفيف الإجهاد والإرهاق عن كاهليك، إلى جانب المساعدة في بناء الروابط المفيدة دائمًا.
وش أسوي