الاستيعاب القرائي في ظل التعليم عن بعد
في ظل أزمة الحضور في مؤسسات التعليم؛ صارت الحاجة ملحة للاستيعاب القرائي، الذي تفرّد في تأصيل التعلّم الذّاتي، فأصبح من المهم تنمية مهاراته لدى المتعلمين (الحسن، 2016). فالقراءة بلا استيعاب، وفهم لا فائدة منها (نصر، 2016). ونظرًا لهذه الأهمية سيوضح المقال أهم مهارات المعلمين لتوظيف الاستيعاب القرائي في التعليم عن بعد، مع ذكر بعض الاستراتيجيات المناسبة لتكييف الاستيعاب القرائي في الفصول الافتراضية، وذكر بعض التطبيقات التقنية التي تساهم في تنمية قدرات الاستيعاب القرائي في التعليم عن بعد.
أوردت الأدبيات مفهوم الاستيعاب القرائي بصيغ مختلفة، إلا أنه بالمجمل لا يوجد اختلافات جوهرية في تعريفه فهو: قدرات عقلية تعين على تمييز المعلومات، وربطها بالعلوم والخبرات السابقة، واستنتاج معانٍ جديدة (الحسن، 2016)؛ ويقود هذا إلى أن الاستيعاب القرائي مهارات متعددة في التفكير (النقيب، 2017) مما يستدعي ضرورة امتلاك المعلم مهارات وكفايات أساسية في التعليم عن بعد وتطويرها؛ لتعينه على توظيف مهاراته المحقّقة للتعلم الذاتي للمتعلمين، ومنها كما جاء في (شونفلد،2005/ د. ت):
- مهارة وضع واختيار استراتيجيات مناسبة للاتصال التفاعلي في الصف الافتراضي.
- مهارة تكوين مجتمع تعلمٍ فعالٍ بمنح فرص التفاعل بين المتعلمين بالأنشطة والتغذية الراجعة.
- “القدرة على تصميم بيئات تعلم بنائية”(ص.278).
- مهارة إيجاد بيئات تعلم افتراضية تتمركز حول المتعلم وتحقق التعلم الذاتي.
- اختيار وسائل ترفع قدرات التفكير العميق في التعليم عن بعد كالحوار المتزامن وغير المتزامن.
وبالجملة إن هذه الأساليب تسهم في تطوير المعلم مهنياً في مهارات الاستيعاب القرائي الذي يعد من المعايير المهمة في المجالات المهنية، والتي أولتها وزارة التعليم اهتماماً كبيراً (هيئة تقويم التعليم والتدريب،2017).
واستناداً إلى هذه المهارات، لا بدّ من حرص المعلمين على تطوير استراتيجيات التدريس المستخدمة في رفع مستوى الاستيعاب القرائي في التعليم عن بعد، مع التأكيد على الاهتمام بتنمية المستويات العليا من التفكير للمتعلمين (الحسن، 2016)، ومن ذلك استراتيجية التدريس التبادلي الذي يعتمد على التفاعل، ويتمركز حول المتعلم، وينمّي عنده المسؤولية والمهارات التعاونية، والمعلم فيه ميسِّر ومعزِّز (نصر، 2016). وهذه الاستراتيجية تمثل أسلوباً مناسباً لرفع الملل والشعور بالعزلة أثناء التعلم الافتراضي (شونفلد،2005/ د. ت)، وذلك من خلال توفير فرص الحوار، وتحمل مسؤولية التعلم الذاتي، وبالتالي تنمو مهارات الاستيعاب القرائي في التفكير، والتفسير، والمناقشة، والتلخيص (نصر، 2016). كما يمكن استخدام استراتيجية الفصل المقلوب بحيث يُعِد المعلم مقطعًا أو يستعين بمقطع يوتيوب، يمكّن المتعلم من التفاعل عبر البيئة الافتراضية بشكل غير متزامن، ثم في سياق منظم وهادف يكون الحوار المتزامن مما يساعد على تنمية المهارات الفكرية العليا (الرويلي، 2019)، وهو من الطرائق المناسبة في تنمية مهارات الاستيعاب القرائي للمتعلم في التعليم عن بعد.
إن إتقان التعليم بهذه المهارات لتحقق المخرجات التعلمية منها في البيئات الافتراضية؛ يستلزم الاستعانة بالأدوات والتطبيقات التقنية المعينة على التفعيل الجيد لأنشطة الاستيعاب القرائي الصفية واللاصفية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: استخدام الكتاب الإلكتروني الرقمي الذي يزيد الارتباط بالقراءة الاستيعابية، ويشتمل على أسلوب منظم في عرض المحتوى ويقدم التقييم والتعزيز والصور (براهمة وآخرون، 2020)، كما أظهرت الدراسات أن توظيف الألعاب الإلكترونية زاد من الاستيعاب القرائي بسبب الانغماس في الترفيه والتعلم في آنٍ واحد (سمارة وصوالحة، 2018). كما أن تصميم الأنفوجرافيك التفاعلي في المقررات، وتوظيفه ضمن أنشطة الاستيعاب القرائي مع تقديم تغذية راجعة للمتعلمين على المهارات المطبقة، يعتبر وسيلة فعالة للمعلم في تعليم طلابه مهارات وقدرات الاستيعاب القرائي في بيئات التعليم عن بعد (الصمداني، 2019)، وذكرت إحدى الدراسات -التي طُبقت في مقرر اللغة الإنجليزية -أن استخدام الاستقصاء الموجه الالكتروني يفوق الاستقصاء البشري في تنمية التفكير الناقد، والمهارات العليا من التفكير؛ لأن البرامج التقنية تثري النصوص بالواقعية، والتأثير، ويندمج معها المتعلم ذاتياً، ويكتسب المهارات المختلفة العليا في الربط بين خبراته السابقة والحالية (المشاقبة، 2019)، وبلا شك يمكن للمعلم تطبيقها في الاستيعاب القرائي ليواكب التعليم عن بعد.
ومن جميع ما سبق يتضح أن امتلاك المعلم لعدد من المهارات والكفايات ضروري لتوظيف الاستيعاب القرائي في التعليم عن بعد مثل: تكوين مجتمعات التعلم الذاتي البنّاءة التفاعلية، مع استعانته باستراتيجيات وطرائق تدريس متنوعة كالتدريس التبادلي والفصل المقلوب؛ ليزيد من ممارساته الجيدة في التعليم عن بعد لمهارات الاستيعاب القرائي، كما أن التنوع في استعمال التطبيقات التقنية كالكتاب الرقمي، والاستقصاء الإلكتروني الموجه، والأنفوجرافيك التفاعلي، والألعاب الإلكترونية يمنحه الثقة بجودة عمله لاشتمالها على مميزات تثري التفاعل عبر الشبكات، وتحفز المتعلم، وتدعم تعلمه ذاتياً لمهارات الاستيعاب القرائي.
وش اسوي