تعريف السياحة المستدامة
وصف العديد من المختصين السياحة المستدامة بأكثر من شكل، فمنهم من وصفها بالسياحة البيئية أو السياحية المسؤولة، ولكن اُتفق مؤخرًا على تسميتها السياحة المستدامة، والتي تعني قدرة المجتمعات المحلية على المحافظة والاستمرار باستفادتهم منها، وفي الوقت نفسه تقديم الخدمة التي من شأنها إمتاع السائحين ضمن بيئة نظيفة دائمة التجدد، والتي لا تكون مرتبطة بمواسم محددة فتنهار لقلة الموارد أو التركيز على فئات محدودة في مرودوات السياحة، لا سيما أن العديد من سياح العالم، وخاصةً الدول الغربية يأخذون في اعتباراتهم السياحية قضية الاستدامة كمنهج إستراتيجي للدول التي يفكرون في الذهاب إليها، كما يعدون أن ذهابهم لهذه الأماكن من شأنه المساهمة في تعزيز المحافظة على البيئة كخطة إستراتيجية تهدف دول العالم في تنفيذها.
فاليوم لا تقتصر المحافظة على البيئة على القطاع السياحي فقط، وإنما يشمل جميع القطاعات المنتجة في حياة البشر، ففي بعض الدول التي يتعدى فيها أهالي المنطقة المحليين على بعض أنواع الحيوانات تعمل شركات السياحة التي تنتهج السياحة المستدامة في معاييرها على دفع أموال مقابل امتناع أهالي المنطقة من صيد هذه الحيوانات للمحافظة على البيئة، وفي السياق نفسه تحاول العديد من الدول حول العالم المحافظة على الغطاء النباتي والطيور وتحويل بعض المناطق لمحميات طبيعية وإلزام الأهالي بمواعيد صيد محددة للحفاظ على هذه المحميات من تدمير بيئتها الطبيعية، وأخيرًا فإن تطبيق هذا النهج من السياحة المستدامة يعود بالفائدة على المجتمعات المحلية في المناطق السياحية، ولكن يُشترط أن يكون التطبيق لا يمس كرامة هؤلاء الأهالي، فبعضهم يتعرضون للاستغلال والإهانة كي يحصلوا على الأموال من السائحين، وهو ما يتنافي مع مبادئ السياحة المستدامة وأخلاقيات السياحة على حد سواء .
جدول أعمال سنة 2030 للسياحة المستدامة
أطلقت الأمم المتحدة على العام 2017م أسم “العام الدولي للسياحة المستدامة”، وقد سجلت فيه موقفًا واضحًا لزيادة وعي العالم بالسياحة المستدامة ومدى مساهمتها في تنمية المجتمعات سواءً على مستوى الحكومات أو القطاعات الخاصة أو عامة الناس، بهدف جمع الجهود في سبيل جعل السياحة أمرًا هامًا نحو التغيير الإيجابي.
وقد أوصت الأمم المتحدة أن يكون عام 2030م عامًا دوليًا يوضح التغيرات السياسية والأعمال وسلوك المستهلكين نحو قطاع السياحة المستدامة كشريك أساسي في تنمية مستدامة كبقية القطاعات الأخرى التي تهدف لذلك، وقد خرجت الأمم المتحدة في العام 2017م بالتركيز على خمسة محاور أساسية من شأنها الوصول لتحقيق التنمية السياحية المستدامة، وهي؛ النمو الاقتصادي الشامل والمستدام، واتباع الخطط التي من شأنها الحد من الفقر وتضامن المجتمعات، وكفاءة استغلال الموارد التي تحمي البيئة وتقلل من تغير المناخ، وأخيرًا بث القيم الثقافية والتراثية التي تختلف من منطقة لأخرى في سعيها للمزيد من التفاهمات وتبادل الخبرات وإحلال الأمن والسلام .
إستراتيجية السياحة المستدامة
بالرغم من أن الهدف من السياحة المستدامة أصبح واضحًا وجليًا للعديد من القطاعات ذات الصلة، إلا أن تطوير الإستراتيجات التي من شأنها التنفيذ الفعلي لهذا الهدف لا تزال تحتاج للمزيد من التخطيط ووضوح الآفاق للعديد من الجهات المعنية بذلك، وفيما يأتي أهم الخطوات الواجب اتباعها لعملية التخطيط الإستراتيجي للسياحة المستدامة، وهي كالآتي:
- التحليل الدقيق للوضع الراهن: فمن المعروف لدى خبراء الإستراتيجات أن وضعها لا يتأتى إلا بالحصول على المعلومات التي من شأنها توضيح الوضع الراهن وخصائصه، إذ يُفضل اتباع إستراتيجية تخص منطقة محددة وفحص مدى إمكانياتها كأسلوب لجمع المعلومات، بالإضافة لتحليل العناصر البشرية التي لها مصلحة في تطبيق هذه الخطة، وجمع الحقائق والأرقام الإحصائية حول التعليم المتبع محليًا وطبيعة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية لهذا المجتمع، وأخيرًا جمع المعلومات التي تتعلق بعادات وتقاليد هذا المجتمع وما يحتويه تراثهم من نوادر وحكايات لها أهمية في المعلومات المطلوبة وعقد ورشات العمل التوعوية لهم كأسلوب لأخذ التغذية الراجعة.
- وضع الإستراتيجية: فكما ذكرنا سابقًا توضع الإستراتيجية بناءً على المعلومات التي جُمعت في المرحلة الأولى، وبالتالي توضع الأولويات لصياغة الأهداف المنوي تحقيقها، وهذه الأهداف قد تكون:
- المحافظة على الأماكن الطبيعية السياحية والمتمثلة في الشواطئ والمحميات والمعالم الأثرية، وغيرها.
- السعي لتنمية قطاعات اقتصادية ترتبط بالسياحة، كقطاع الحرف اليدوية أو المأكولات التي تخص منطقة دون الأخرى.
- زيادة إيرادات الأهالي المحليين من السياحة وما يدور في فلكها.
- تنمية الثقافة الذاتية الداعمة لقطاع السياحة من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
- وضع خطة العمل: وهي التي من شأنها تنفيذ الخطة الإستراتيجية، ومعالجة حيثياتها علميًا، وذلك بتحديد الجهات المشاركة في التنفيذ، وتحديد النشاطات وماهيتها وإطارها الزمني، وتحديد الأساليب التي ستُتَّبع، وأخيرًا تحديد الموارد المادية والبشرية التي سيُلجأ إليها لتنفيذ الخطة، وذلك من خلال التدابير الآتية:
- تعزيز دور إدارة الخطة، أي إشراك القطاعات الداخلية في تنفيذ الخطة الإستراتيجية للسياحة المستدامة، والذين أهمهم السكان المحليون كشريك مهم فيها.
- تنشيط القطاع الاجتماعي والاقتصادي، وذلك من خلال دعمهم وتوفير المواد اللازمة في أعمالهم المرتبطة بالسياحة من مطاعم ومعدات بناء، بالإضافة لتعظيم العملية التسويقية التي من شانها جلب المزيد من الأفكار الريادية.
- تحسين دور الرقابة البيئية: وذلك من خلال التأكد من تنفيذ المعايير الخاصة بها، ومعاقبة من يخالف الأنظمة المتعلقة بها.
- التركيز على التدريب: وذلك لما له من أهمية في تنفيذ الخطة باحتراف، وذلك من خلال ورشات العمل والدورات المكثفة التي يزيد فيها المتدرب من معارفه فيما يتعلق بأهمية الإرث الحضاري، وأهمية المحافظة على البئية، وكيفية التعامل الأمثل للسائحين وغيرها.
وش اسوي