تعرفوا على النسخة الحديثة للتقويم أو ” التقويم الواقعي ”
إن هذا العصر الذي نعيشه عصر الثورة التقنية والمعرفية والمهارية، يتطلب طلابًا يملكون كفاءات متنوعة ومهارات إبداعية تفي بمتطلبات هذا العصر. مما يلزم إعداد جيل واعٍ تُنمى قدراته بأسلوب علمي يرتقي بهم من ثقافة الذاكرة إلى ثقافة الإبداع والابتكار.
لذا تتوجه سياسة التعليم في المملكة إلى تجويد التعليم ابتداءً بمراحل الدراسة الأولى، فقد ورد في مضامين رؤية المملكة 2030 : ” سنواصل الاستثمار في التعليم والتدريب وتزويد أبنائنا بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل، وسيكون تركيزنا أكبر على مراحل التعليم المبكر” (وزارة التعليم،2017). إيمانًا بأهمية إعداد هذه المرحلة بالمهارات التي يحتاجون إليها في المستقبل، وإيجاد أساليب فاعلة تحسن من نواتج التعلم.
وعلى إثر ذلك صدرت لائحة التقويم الحديثة للمرحلة الابتدائية بتاريخ 20/10/2019 بتخصيص درجات للطالب على المهام الأدائية، بتوظيف أدوات متنوعة تظهر قدرات الطلاب ومهاراتهم، وتُقيم مدى اكتسابهم المهارات المحققة للأهداف التربوية. لذا سأستعرض في هذا المقال النسخة الحديثة للتقويم (التقويم الواقعي) الذي نادت به العديد من الدراسات التربوية، مفهومه ومميزاته واستراتيجياته وأدواته، التي تلائم تطلعات سياسة التعليم في تجويد المخرجات التعليمية. وله مسميات مرادفة وردت في الأدب التربوي كالتقويم البديل، والتقويم الحقيقي، والتقويم الأصيل.
أولًا: مفهوم التقويم الواقعي
يعرف علام (2009) التقويم الواقعي على أنه قيام الطلاب بأداء مهام مفيدة ذات معنى ودلالة، تتطلب مهارات تفكير عُليا، بحيث يستطيع الطالب تحديد قيمة هذه الأعمال من خلال محكات تحدد مستوى جودتها.
ويعرفه ((Croker,2013 بأنه عملية مزج ما لدى الطالب من معرفة ومهارات وتطبيقها في مهمة واقعية.
وبناء على ما سبق يمكن تعريفه بأنه توجه حديث للتقويم ينتقل بالمتعلم من متلق للمعرفة إلى مطبق ومنتج للمعارف والخبرات، التي يكتسبها في مواقف حقيقية تنمو من خلالها مهاراته لحياته الواقعية.
ثانيًا: مميزات التقويم الواقعي
- شامل لا يقتصر على قياس المعرفة فقط، بل يشمل جوانب أخرى كالاتجاهات والقيم والمهارات.
- يستثير عمليات التفكير العليا ومهارات التقصي والاكتشاف عند الطلبة.
- تكون المهام المطروحة للطلبة واقعية مرتبطة بالحياة اليومية التي يعيشها الطلبة.
- يوفر التنوع والمرونة، بما يخدم المعلم والمتعلم ويراعي الفروق الفردية بين الطلبة وأنماط تعلمهم.
- يتيح المساواة والعدالة بإتاحة الفرص المتكافئة لجميع الطلبة؛ للمشاركة والتعاون بين الأقران لإنجاز المهام.
- يستند على محكات ومؤشرات؛ لتقدير الأداء بما يحقق الصدق في نتاجات التعلم.
- يقدم التغذية الراجعة بما يتيح فرص متعددة للطالب للتحسين من أدائه في المستقبل.
- ديمقراطي يسمح للطالب المشاركة في تقييم ذاته؛ ليدرك ما يحققه من تقدم أثناء تعلمه.
ثالثًا: استراتيجيات التقويم الواقعي
يتضمن التقويم الواقعي عدة استراتيجيات تركز على توظيف المعرفة المكتسبة في مهام مرتبطة بواقع المتعلم؛ لتقيس النتاجات الحقيقية لتعلم الطلبة. يستطيع المعلم توظيفها في إكساب الطلاب مهارات التفكير العليا.
1-استراتيجية التقويم المعتمد على الأداء
هي قيام الطالب بعروض عملية يظهر من خلالها مدى إتقانه لما اكتسب من مهارات، في ضوء النتاجات التعليمية المراد إنجازها (العبسي،2010). ويندرج تحت استراتيجية التقويم المعتمد على الأداء عدة فعاليات وهي كالتالي:
- التقديم: يقوم طالب أو عدد من الطلبة بتقديم موضوع محدد مسبقًا يظهرون، من خلاله مهارتهم فيما اكتسبوه من معارف يوظفون فيه تقنية، مجسمات، رسوم، منظمات بيانية…
- العرض التوضيحي: يعرض فيه الطلاب المفاهيم والمعرفة من خلال تجارب عملية أو نتائج بحثية لظواهر في الحياة، يظهر من خلال ذلك مهاراتهم في الإلقاء والحوار والتعبير عن الرأي.
- المعرض: يعرض فيه الطلاب إنتاجهم الفكري والعملي بناء على ما اكتسبوه من خبرات، كالمشاريع والمبادرات المبتكرة، يظهرون من خلاله مدى امتلاكهم للتفكير الإبداعي والتعبير عن أفكارهم.
- المحاكاة ولعب الأدوار: يمثل فيها الطلاب مواقف اجتماعية تحاكي الواقع يكتسبون منه السلوك الاجتماعي ومهارات التواصل، وتمكنهم من التعبير عن ذواتهم ومشاعرهم ويوصلون من خلالها رسائل هادفة ذات مغزى.
- المناظرة: تكنيك تعليمي يفترض وجود موقف معين إما بالتأييد أو الرفض، وهو يحفز الطلاب على الحوار واحترام الرأي الآخر.
2- استراتيجية التقويم بالتواصل
يعرفه النجار (2018) بأنه لقاء مبرمج يُعقد بين المعلم والطالب؛ لنقاش مشروع معين يتم تحديد الخطوات اللاحقة به للتحسين من تعلم الطالب. ويكون ذلك من خلال المقابلة والأسئلة المباشرة لمعرفة مدى التقدم الذي حققه المتعلم ومعرفة طبيعة تفكيره وأسلوبه في حل المشكلات. بعرض مشكلة أو تحليل قصة…
3- استراتيجية التقويم بالملاحظة
هي إجراء “يتوجه فيها المعلم أو الملاحظ بحواسه المختلفة نحو المتعلم بقصد مراقبته في موقف نشط، من أجل الحصول على معلومات تفيد في الحكم عليه وتقويم مهاراته وتنمية سلوكه وطريقة تفكيره” (الحربي، 2018، ص64). وهنا يقوم المعلم بجمع المعلومات عن سلوك الطالب أثناء المهام، ومن خلال سجل إنجاز الطالب، ووصفة وصفا لفظيا.
4- استراتيجية مراجعة الذات
وتُعرف أنها “عملية تحويل الخبرة السابقة إلى تعلم بتقييم ما تم تعلمه وتحديد ما سيتم تعلمه لاحقاً” (العبسي،2010، ص52). ويكون بتدريب الطالب على تقييم نفسه وفق المؤشرات والمعايير في أداة التقويم، وأيضا تدريبه على كتابة تأملاته عند الانتهاء من أي مهمة مُنجزة، وتدوينها في سجل سير التعلم لدى الطالب، أو بالاستعانة بأحد التطبيقات التقنية كالحائط الإلكتروني، وتعد مؤشرا هاما لإظهار مستوى النمو المعرفي لدى الطالب، ودافع قوي للتعلم الذاتي الفعال وإكساب الطالب مهارة التفكير التأملي حتى يدرك احتياجاته ونقاط ضعفه.
5- استراتيجية تقويم الأقران
هي عملية تقويم متبادلة بين الطلبة تُمارس أثناء الموقف التعليمي، وتكون وفق معايير ومحكات متفق عليها مسبقًا، ومدرجة في نموذج للتقييم يطبقه جميع الطلبة اثناء عملية التقويم، مما يتيح التواصل الإيجابي داخل الصف الدراسي. ويذكر الحربي (2018) أن تقويم الأقران يفيد في منح الطلبة قدراً كبيرا من الاستقلالية والثقة بالنفس، وتنمي لديهم التفكير الناقد، وتشجع التعلم التعاوني، وتساعدهم في التعرف على خصائص الأعمال الجيدة في المستقبل ويعمل كلاً من التقويم الذاتي وتقويم الأقران على التعمق في المادة الدراسية.
رابعًا: أدوات التقويم الواقعي
لإستراتيجيات التقويم الواقعي محكات وأدوات، تصمم لجمع المعلومات حول تعلم الطالب، وقد أوجزها العبسي (2010) كالتالي:
- قوائم الرصد/الشطب / هي السلوكيات التي يرصدها المعلم أثناء تنفيذ مهمة تعليمية، ويستجاب على فقراتها باختيار أحد الكلمتين (صح/ خطأ)، (نعم /لا)، (موافق/ غير موافق) …. إلخ.
- سلم التقدير / هو أداة تظهر فيما إذا كانت مهارات التعلم متدنية أو مرتفعة، حيث تخضع كل فقرة لتدريج من عدة مستويات، متسلسلة بشكل لفظي مثل دائماً، غالباً. ويسمى سلم تقدير لفظي، أو بشكل رقمي مثل (1،2،3…).
- سجل وصف سير التعلم / هو سجل منظم يكتب فيه المتعلم عبر الوقت، ويعبر فيه عن رأيه حول الخبرات التي شاهدها واستجاباته حول ما تعلمه.
- السجل القصصي/ هو سجل وصف يدون فيه المعلم ما يفعله المتعلم أثناء الملاحظة بكل موضوعية وبصفة مستمرة، حتى تظهر دلالات التطور على تعلم المتعلم.
إن التنوع الذي يقدمه التقويم الواقعي في الاستراتيجيات والأدوات، يعمل على الخروج من الجمود التعليمي القائم على التلقين وحفظ المعلومات إلى الحيوية وإثارة دافعية الطالب وإشراكه في العملية التعليمية-التعلمية، بما يراعي أنماط المتعلمين المختلفة، ويسمح للمتعلمين بالتعبير عن ذواتهم وآراءهم، وإثراء المحتوى المعرفي بما يحقق نواتج التعلم المنشودة، ويقدم للمعلم تقييماً لإجراءاته وطرائق تدريسه، إضافة إلى أنه يوفر للمؤسسة التعليمية مؤشرات لمدى تحقيق إنجازاتها وملاءمة أهدافها لتطلعات سياسة التعليم. وأكدت على ذلك عدة دراسات أجريت في هذا المجال كدراسة (Bryce,2010) إلى أن ما ينفرد به هذا النوع من التقويم أنه يعطي صورة أكثر دقة عن نمو الطالب، ويظهر شخصيته مع مرور الوقت. وفي ذات السياق تشير دراسة ((Winters,2014 أن التقويم الواقعي يساعد المعلم على تحديد التعلم غير المكتمل لدى المتعلم، وسد الثغرات في التعلم.
وفي ضوء التوجهات التربوية الحديثة المحلية والعالمية بضرورة تهيئة الأجيال بالمهارات التي تمكنهم من مواكبة هذا الانفتاح، بما يوائم متطلبات سوق العمل، يتعين على أصحاب القرار تهيئة أركان العملية التعليمية لهذا النوع من التقويم المثمر الفعال.
- المعلم: عقد ورش عمل تدريبية تطبيقية لاستراتيجيات التقويم الواقعي. وعمل مجتمعات تعلم مهنية يتم من خلالها تبادل الخبرات والتجارب الناجحة.
- المتعلم: تدريب الطلبة على هذا النوع من التقويم بتطبيق ما تعلموه في مهام تحاكي واقعهم، وإشراك أولياء الأمور في العملية التعليمية، مما يساعد ذلك في بناء شخصية الطالب، وبقاء أثر التعلم لدى الطالب.
- المقررات الدراسية: تضمين المقررات الدراسية لأنشطة التقويم الواقعي حتى يضفي لها الحيوية والتنوع.
- البيئة التعليمية: تهيئة البيئة التعليمية بمتطلبات تطبيق استراتيجيات التقويم الواقعي كالشبكة العنكبوتية والمكتبات والوسائل التعليمية وغيرها من متطلبات.
وش اسوي