تداعيات الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي
لا بد أنكَّ لاحظت الأثر الكبير الذي تركه فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد العالمي وقطاعات الأعمال والخدمات، فيروس كورونا وباء أودى بحياة الكثير من الأشخاص على مستوى العالم، وعُدَّ كأزمة عالمية على مستوى الدول لم تقتصر تداعياته وتأثيره على المستوى الإنساني والصحي بل إنه أثر أيضًا وبشكل كبير على الاقتصاد العالمي، ومن المؤكد أن هناك دول تضررت اقتصاديًا أكثر من غيرها، ولكن ما هي آثار هذا الوباء على الاقتصاد العالمي؟، وهل يمكن أن يتعافى الاقتصاد من هذه الأزمة؟.
في حين أنه لا توجد طريقة لمعرفة حجم الضرر الاقتصادي الناجم عن جائحة فيروس كورونا المستجد COVID-19 بالضبط إلا أن هناك اتفاق واسع النطاق بين الاقتصاديين على أن له آثار سلبية شديدة على الاقتصاد العالمي؛ إذ تُشير التقديرات المبكرة إلى أن معظم الاقتصادات الكبرى ستفقد 2.4 % على الأقل من قيمة ناتجها المحلي الإجمالي بنهاية عام 2020 مما دفع الاقتصاديين إلى تقليل توقعاتهم للنمو الاقتصادي العالمي لهذا العام من حوالي 3% إلى 2.4%، كما عانت أسواق الأسهم العالمية من انخفاضات كبيرة بسبب تفشي المرض وأعلن مؤشر داو جونز عن أكبر انخفاض له على الإطلاق في يوم واحد بما يقرب من 3000 نقطة في 16 مارس 2020.
وبالرغم من الخطر الواضح الذي يشهده الاقتصاد العالمي إلا أن هناك أسبابًا تدعو إلى الأمل في تجنب هذا السيناريو الأسوأ فقد تعلمت الحكومات من الأزمات السابقة أن آثار الركود القائم على الطلب يمكن مواجهته بالإنفاق الحكومي ونتيجة لذلك تعمل العديد من الحكومات على زيادة توفير الرفاه النقدي للمواطنين وضمان حصول الشركات على الأموال اللازمة للحفاظ على عمل موظفيها طوال فترة الوباء.
بالإضافة إلى ذلك؛ فإن طبيعة هذه الأزمة تعني أن بعض القطاعات قد تستفيد أكثر من غيرها مثل؛ التجارة الإلكترونية وتجارة المواد الغذائية والرعاية الصحية مما يوفر على الأقل بعض النمو الاقتصادي لتعويض الضرر.
قد يكون لهذه الأزمة تاريخ انتهاء واضح، وذلك عندما تتمكن الدول من رفع جميع القيود المفروضة على الحركة أو عندما يُطور لقاح، وهذا يعني أنه من الممكن أن يشهد الاقتصاد العالمي انتعاشًا حادًا بمجرد انتهاء الوباء، ولا تزال توجد العديد من المتغيرات التي يمكن أن تؤثر على مثل هذا الانتعاش الاقتصادي على سبيل المثال؛ يمكن أن يؤدي انخفاض الإنتاجية في السلع والخدمات لتلبية انخفاض الطلب إلى حدوث نقص في المدى المتوسط للبيع وزيادة في الأسعار.
موعد تعافي الاقتصاد العالمي بعد الأزمة الحالية
إن النتائج طويلة المدى لتفشي فيروس كورونا المستجد التي ضربت الاقتصاد العالمي هزت التوازنات السياسية والاقتصادية في العديد من البلدان، وبسبب الوباء حدثت موجات صادمة في الأسواق، ودَخَل الاقتصاد العالمي في أزمة حقيقية، قامت الحكومات في جميع أنحاء العالم بالاستجابة للأزمة الصحية والاقتصادية بسرعة ولكن بطريقة غير منسقة إلى حد كبير، وهو أمر غير مفاجئ نظرًا لعدم وجود استجابة واحدة لهذا الوضع.
قد قامت بعض الدول باتباع نهج يسعى لتقليل الضرر الاقتصادي لـ COVID-19 من خلال السماح للفيروس بالمرور عبر السكان دون رادع أو إجراءات وقائية على الرغم من الضغط على النظام الصحي، وفي المقابل كان النهج البديل، اعتماد تباطؤ متعمد في الاقتصاد صممته بعض الحكومات لإدارة المخاطر الصحية انطوى هذا النهج عمومًا على إغلاق الحدود وإدخال إجراءات التباعد الاجتماعي والحجر الصحي وحظر أنشطة محددة، وقد بدأت نتائج هذه الاستراتيجيات الصحية المختلفة بالظهور على الاقتصاد الحقيقي في مختلف البلدان والأقاليم، والسؤال المطروح الآن على جميع الأصعدة الاقتصادية، متى وكيف سينتعش النشاط الاقتصادي العالمي؟.
يتضمن السيناريو العالمي افتراضًا متفائلًا بأنّ الأزمة الصحية التي نتصدى لها جميعًا ستصل إلى ذروتها بالنسبة لمعظم البلدان والأقاليم في الربع الثاني من عام 2020 كأسوأ احتمال وبالتالي سيبدأ الاقتصاد العالمي في التعافي في الربع الثالث من عام 2020، في حين أن السيناريو الآخر يتنبأ بتوقعات أكثر تشاؤمًا بأن موجة ثانية أو امتداد للموجة الأولى من الفيروس ستظهر في العديد من الدول ويتعين على العديد من البلدان والأقاليم تبني تدابير الإغلاق الجزئي مرة أخرى في الربع الثالث من عام 2020، وبالتالي سيكون مسار التعافي أكثر عمقًا مما هو مفترض.
أسباب تدهور الاقتصاد العالمي في ظل الأزمة الحالية
إن الضرر الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا سببه إلى حد كبير انخفاض الطلب، أيّ لا يوجد مستهلكون لشراء السلع والخدمات المتاحة في الاقتصاد العالمي، ويمكن رؤية هذا بوضوح في الصناعات المتأثرة بشدة بالأزمة مثل؛ السفر والسياحة فلإبطاء انتشار الفيروس وضعت الدول قيودًا على السفر الذي تسبب بعدم تمكن العديد من الأشخاص من شراء رحلات لقضاء العطلات أو رحلات العمل، فسبَّب هذا الانخفاض في طلب المستهلكين فقدان شركات الطيران للإيرادات المخططة والمتوقعة الذي أدى بالتالي إلى خفض نفقاتها، ودون المساعدة الحكومية ستحتاج شركات الطيران في نهاية المطاف إلى خفض التكاليف.
تنطبق نفس الديناميكية أيضًا على باقي الصناعات الأخرى، هذا الانخفاض في الإيرادات دفع العديد من الشركات إلى تقليص عدد الموظفين للتعويض عن الإيرادات وخفض التكاليف، مما خلق قلقًا بين خبراء الاقتصاد باحتمال بدء أزمة اقتصادية جديدة عندما لم يعد هؤلاء العمال المسرحين من العمل قادرين على شراء سلع وخدمات ربما تكون غير متأثرة بالأزمة، فلنأخذ البيع بالتجزئة كمثال؛ إذ ستؤدي الزيادة في البطالة إلى تفاقم الانخفاض في المبيعات، وهذه الديناميكية هي التي جعلت الاقتصاديين يفكرون فيما إذا كان جائحة COVID-19 يمكن أن تؤدي إلى ركود عالمي في الاقتصاد.
تأثير الأزمة الحالية على الاقتصاد العالمي
القيود التي فرضتها العديد من الدول على الاقتصاد التي أطلقت عليها صندوق النقد الدولي مصطلح “الإغلاق الكبير” أدت إلى توقف الكثير من النشاط الاقتصادي العالمي مما ألحق الضرر بالأعمال وتسبب في فقدان الناس لوظائفهم، إليكَ في الآتي كيف أثرت الجائحة على بعض الجوانب الاقتصادية في مختلف الدول:
- ارتفاع معدل البطالة: حذر العديد من الاقتصاديين من أن إجراءات الإغلاق حول العالم ستسرّع من فقدان الوظائف التي ظهرت بالفعل في أعداد البطالة المتزايدة في العديد من الاقتصادات حول العالم.
- تدهور قطاع صناعة الخدمات: تعد صناعة الخدمات مصدرًا رئيسيًا للنمو والعمالة في العديد من البلدان بما في ذلك؛ الولايات المتحدة والصين وهما من أكبر اقتصادات العالم وأسواق المستهلكين، إذ أجبرت إجراءات الإغلاق خلال الوباء العديد من المتاجر على الإغلاق أمام المستهلكين وفشلت زيادة المبيعات عبر الإنترنت التي أبلغ عنها بعض تجار التجزئة مثل Amazon في وقف الانخفاض العام، كما شهدت الشركات في قطاعات النقل، والعقارات، والسفر، والسياحة، أكبر الانخفاضات في النشاط حتى الآن.
- الركود في النشاط الصناعي: ضربت جائحة كورونا الشركات المصنعة خارج الصين، والتي تعتمد على المصانع في العملاق الاقتصادي الآسيوي للمواد وقطع الغيار والتي تعرف باسم “السلع الوسيطة”، لتصنيع منتجاتها الخاصة لكن المصانع الصينية علَّقت عملياتها لفترة أطول من المتوقع حيث سعت السلطات إلى احتواء الفيروس، ومع فرض المزيد من الدول إجراءات الإغلاق أيضًا تضرر عدد أكبر من شركات التصنيع واضطر البعض إلى الإغلاق مؤقتًا بينما واجهت الدول التي لا تزال مفتوحة قيودًا في الحصول على السلع والمواد الوسيطة.
وش أسوي