توظيف الرحلات الافتراضية في العملية التعليمية
يشهد عالمنا الحالي ثورة معلوماتية كبيرة في مجال تكنولوجيا التعليم، ولقد ساهم ظهور الإنترنت في سرعة الوصول للمعرفة ومواكبة المستحدثات التقنية، ولقد أصبح لزامًا على كل منظمة تعليمية أن تواكب هذه التطورات المتسارعة، وذلك من خلال دمج التقنية في العملية التعليمية بشكل يساهم في إثارة مهارات التفكير العليا والتفكير الناقد لدى المتعلم، بهدف تحقيق المخرجات التعليمية، مع ضرورة إعطاء المتعلم الحرية للتفكير وإبداء الرأي في جو تسوده المتعة والفائدة.
وتعتبر شبكة الإنترنت وسيلة مناسبة للمعلم والمتعلم لتقديم رحلات ميدانية افتراضية تحاكي البيئة الحقيقية، والتي من خلالها يكتسب المتعلم خبرات ومعارف قد يصعب تحقيقها من خلال الرحلات التقليدية. (حسن، 2011)
فعلى الرغم من أهمية الرحلات التعليمية التقليدية إلا أنها تواجه تحديات وصعوبات كثيرة من أهمها خوف المعلمين وأولياء الأمور من إجراءات الأمن والسلامة أثناء الرحلة، أو عدم وجود دعم مادي لتنفيذ مثل هذه الرحلات، فمن هنا دعت الحاجة لتنفيذ الرحلات الافتراضية.
مفهوم الرحلات الافتراضية
تعرف الرحلات الافتراضية كما عرفها خميس (2016) بأنها بيئة تفاعلية متاحة عبر الإنترنت، وتمثل محاكاة لأي مكان باستخدام صور بانورامية، وتشتمل على وسائط متعددة مثل النص والصورة والمؤثرات الصوتية، والمقاطع الصوتية، وتتيح للمتعلم الحصول على المعلومات التي يريدها، بحيث تساهم في تنمية المهارات التي يحتاجها.
وبصفة عامة يمكنني أن أعرف الرحلات الافتراضية بأنها مستحدث تقني، تتيح للمتعلم أن يتعلم في بيئة افتراضية آمنة وجاذبة في أي مكان وزمان، وذلك من خلال تفعيل عدة تقنيات، وبهدف تحقيق أهداف تعليمية مخطط لها.
وتهدف الرحلات الافتراضية إلى انتقال المتعلم إلى بيئة افتراضية عبر الإنترنت؛ ليكتسب بذلك تجارب ومعلومات وخبرات، والتي لا يمكن توفيرها عبر بيئة الصف العادية، مما يساهم في تنمية مهارات البحث والاستكشاف لدى المتعلم.
مميزات الرحلات الافتراضية
تتميز الرحلات الافتراضية بعدة إيجابيات كما تراها حسن (2010) وسأوجزها فيما يلي:
- إمكانية عرض رحلات لأماكن يصعب الوصول إليها؛ إما لبعدها مثل القطب الجنوبي والكواكب، أو لخطورة الوصول لها مثل البراكين.
- تنمية التعلم الذاتي ومهارات البحث والاستكشاف لدى المتعلم.
- إمكانية القيام بهذه الرحلات في أي وقت وأي مكان، مع إمكانية تنفيذ الرحلة أكثر من مرة، وبذلك نوفر الجهد والوقت والمال.
- توفير بيئة آمنة وشيقة وممتعة وجاذبة للتعلم.
- وسيلة مناسبة للمتعلمين من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي تسمح لهم بالتحرك في البيئة الافتراضية بسهولة وباستخدام الأدوات التقنية المناسبة.
- تزويد المتعلم ببيئة تشبه البيئة الحقيقية من حيث الإحساس بالمشي مما يضفي عليها جو من الواقعية.
علاوة على ما ذكر أعلاه من مميزات، فإن تفعيل الرحلات الافتراضية في التعليم يستند على عدة نظريات في التعلم مثل النظرية البنائية، والتي تؤكد على أهمية تدريب الطلاب على حل المشكلات، من خلال التعلم المبني على الفهم والاكتشاف، وتنمية ثقتهم باستخدام قدراتهم العقلية، وإعطاءهم الفرصة للتفكير والتحليل. (العتوم، والجراح، الحموري، 2017)
أضف لذلك دور الجولات الافتراضية في رفع مستوى التحصيل الدراسي، وهذا ما تؤكده دراسة حميد (2017) حيث أظهرت نتائج الدراسة أن الجولات الافتراضية تساعد على تحقيق نواتج التعلم؛ وذلك من خلال احتواء المتعلم في بيئة افتراضية مصغرة، يستخدم خلالها أدوات متنوعة سواء كانت سمعية أو بصرية أو تفاعلية، وتحاكي البيئة الحقيقة مما يساعد على تحفيزه للقيام بالعديد من الأنشطة المرتبطة بالمقرر وتساهم في بناء التعلم الذاتي.
توظيف الرحلات الافتراضية في التعليم
أشار خميس (2017) في دراسته إلى عدة عوامل ساهمت في توظيف الرحلات الافتراضية في التعليم كالتالي:
- توفر خدمة الإنترنت وبسعر مناسب.
- انخفاض أسعار أجهزة الكمبيوتر وانتشار استخدامها.
- توسع المعلمين في استخدام الإنترنت والاستفادة من الخدمات المتوفرة فيه.
- صعوبة تنفيذ الرحلات الحقيقية؛ وذلك لما تتضمنه من معوقات مثل نقص الدعم الإداري أو المادي أو عدم توفر الوقت، أو عدم تحمل المؤسسات التعليمية للمخاطر المترتبة على تنفيذ مثل هذه الرحلات.
أنواع الرحلات الافتراضية
للرحلات الافتراضية عدة أنواع كما أوضحتها دراسة حميد (2017) وهي كالتالي:
- الرحلات الافتراضية القائمة على النص: وهي الرحلات التي تعتمد على عرض مفصل للرحلة من خلال استخدام النصوص، ويعتبر هذا النوع من أبسط أنواع الرحلات الافتراضية، وأقلها تكلفة حيث أنه لا يستخدم أدوات بصرية.
- الرحلات الافتراضية القائمة على الصوت: ويعتمد هذا النوع على المقاطع الصوتية، من خلال عرض محتوى يتضمن مؤثرات صوتية مثل صوت أمواج البحر، أو صوت خطوات الأقدام.
- الرحلات الافتراضية القائمة على الفيديو: تعتمد هذه الرحلات على بيئة تقنية مصورة بالفيديو تكون محاكية للبيئة الحقيقية، عن طريق عمل فيلم فيديو، ويتميز هذا النوع باحتوائه على تعليقات نصية وصوتية.
- الرحلات الافتراضية البانورامية: وهي تقنية تعتمد على ربط مجموعة من الصور ذات الدقة العالية بشكل متسلسل، بحيث يعطي مجموعها مشاهد بانورامية بزاوية 360 درجة، ويقدم المحتوى في شكل ثلاثي الأبعاد، تسمح للمتعلم بتحريكها بعدة اتجاهات، وكذلك تسمح بتكبير وتصغير هذه المشاهد.
- الرحلات الافتراضية ثلاثية الأبعاد: يعتمد هذا النوع على مجموعة من المشاهد الثلاثية الأبعاد، أي مشاهد حركية ثلاثية الأبعاد، تتيح للمتعلم التحكم في عناصر الجولة والتفاعل معها مثل المشي من مكان لآخر وكأنه يتحرك في بيئة حقيقية محاكية للواقع.
- الرحلات الافتراضية التزامنية: ويعتبر هذا النوع من أكثر الأنواع تشويقًا وجذبًا، حيث يعتمد على الدمج بين الرحلة القائمة على الفيديو والبانورامية، وهذا النوع من الرحلات يتيح للمتعلم التجول في بيئة ثلاثية الأبعاد محاكية للبيئة الحقيقية، من خلال استخدام أدوات الجولة، وتعتبر من أكثر أنواع الرحلات الافتراضية تكلفة.
ومهما تعددت أنواع الجولات فإن تفعيلها في التعليم يتطلب تحديد الهدف من استخدامها وربطها بالمحتوى وطريقة التدريس، وقد يعتمد المعلم على أحد الأنواع حسب الإمكانيات المتوفرة له.
التخطيط لتنفيذ الرحلات الافتراضية
يرى حمدي (2011) أنه لكي تتحقق الأهداف المرجوة من تقنية الرحلات الافتراضية فإنه لابد من مراعاة ما يلي عند التخطيط لتنفيذ هذه الممارسة:
- تحديد الهدف من تصميم أو تفعيل الرحلة الافتراضية.
- موائمة متطلبات تنفيذ الرحلة الافتراضية مع المنهج المراد تفعيل هذه التقنية فيه.
- الحرص على بناء اتجاهات إيجابية نحو استخدام المستحدثات التقنية بصفة عامة والنظم الرقمية بصفة خاصة.
ولقد عددت خميس (2016) خطوات متعددة لبناء رحلة افتراضية تعليمية وهي كما يلي:
- تحديد مجال الرحلة الافتراضية مثل جولة لمتحف أو لدولة.
- اختيار نوع الرحلة الافتراضية وفق الجولات المتاحة عبر الانترنت، والتي سبق تناولها مثل: رحلة بانورامية أو ثلاثية الأبعاد.
- تحديد المحتوى الذي سيتم تناوله من خلال الرحلة الافتراضية، بحيث تحقق أهداف المقرر.
- تنفيذ الرحلة الافتراضية ومناقشة المتعلمين أثناءها بما يحقق الأهداف المعرفية والوجدانية والمهارية لديهم.
- تنفيذ تقويمات تكوينية ونهائية من قبل المعلم بهدف قياس مدى تحقق الأهداف التعلمية.
وحتى تحقق الرحلات الافتراضية التعليمية الهدف الذي صممت من أجله، ينبغي على المعلم مراعاة عدة معايير لبناء الرحلة الافتراضية وهي كما وضحتها حسن (2010) كالتالي:
- تحديد الهدف من الرحلة الافتراضية وأن يكون اسم الرحلة مناسب لهدفها.
- تحديد الفئة المستهدفة من الرحلة بحيث تراعي مراحل النمو لديهم وتكون مناسبة لأعمارهم.
- ربط الرحلة بمحتوى المقرر، وتصميم مهمات تجعل المتعلم يبحث ويستكشف ويحل المشكلات.
- الموضوعية عند عرض المحتوى والبعد عن التحيز.
- وجود خريطة لموقع الرحلة الافتراضية تسهل التنقل خلال الرحلة.
ولتوظيف الرحلات الافتراضية داخل الصف بإمكان المعلم تفعيل عدة استراتيجيات؛ مثل استراتيجيات التعلم النشط، وكذلك استراتيجية الفصل المقلوب بمعنى أنه من الممكن أن يزود المعلم الطلاب مسبقًا بالرحلة الافتراضية عبر منصة تعليمية مثلًا، وفي وقت الحصة يطرح عليهم الأسئلة للتحقق من مدى فهمهم، بحيث يكون دور المعلم هو الموجه والميسر للعملية التعليمية.
ومن المناسب أن يوظف المعلم مهارات التفكير الناقد، من خلال طرح عدة أسئلة بعد الرحلة الافتراضية تتطلب من المتعلم استخدام مهارات التفكير العليا لحلها، بحيث تنمي مهارة التعلم الذاتي للمتعلم ومهارة البحث والاستكشاف.
عمومًا من المهم أن تتناسب الأنشطة التي تقدم من خلال الرحلات الافتراضية مع المحتوى المخطط له، وكذلك من الجيد أن تتناسب مع قدرات الفئة المستهدفة حتى يتمكنوا من تنفيذ هذه الأنشطة ويحدث بالتالي التفاعل المطلوب.
ومن المناسب توفير أدوات للرحلات الافتراضية، والتي يمكن من خلالها تفاعل المتعلم مع الرحلة، وبالتالي تدعم عملية التعلم لديه مثل البريد الإلكتروني أو منتدى النقاش أو الخريطة التفاعلية أو المرشد الافتراضي أو سجل الزوار وغيرها. (حسن،2010)
وختامًا لابد أن يكون المعلم على قدر كبير من المسؤولية؛ لأنه أمام طلاب يواجهون تحديات كبيرة، وعندهم مهارات يحتاجون من يأخذ بيدهم ليتعلموها، فالمعلم لديه مهمة صعبة؛ إذ يتطلب منه أن يهتم بطبيعة المتعلمين فكل متعلم مختلف عن الآخر في أهدافه وقدراته.
وش اسوي