ما المقصود بسوق العمل؟
سوق العمل هو ذلك الوسط الذي تتفاعل فيه مكوّنات العمل من منشآت وعمّال، لتعظيم العائد المادّي لكل منهما، إذ تسعى المنشآت للحصول على أمهر وأكفأ الموظّفين القادرين على إنجاز المهام في أقل وقت وجهد وتكلفة ممكنة، وبالمقابل يتنافس العمّال فيما بينهم للحصول على أفضل الوظائف ذات العائد المادّي المرتفع، وهو ما يتحكّم به قانوني العرض والطّلب، إذ يمثّل الطلب ما تطلبه المنشآت من عمالة، أما العرض فيعني العمالة المتاحة في سوق العمل، ويتحكّم في هذين القانونين التغيّرات في القوّة التفاوضيّة، ولا شك بأنك حاولت إيجاد مكان لك في سوق العمل، وواجهت الكثير من الصعوبات للحصول على الوظيفة التي تريد، ولا بد أنك سمعت الكثير من الأقاويل حول سوق العمل وكيفية الانضمام إليه، ووجدت بعد ذلك أنها مجرد خرافات لا أساس لها من الصحة، وفي هذا المقال سنقدم لك مجموعة من الخرافات الشائعة حول سوق العمل والتي لا بد أن تعرف كيف تتعامل معها.
لا تصدقها: خرافات شائعة عن سوق العمل
لكل عالم موروثه المتناقل من الخرافات التي لا أساس لها من الصحّة، وعالم العمل والأموال ليس باستثناء، إذ هناك الكثير من الخرافات المزروعة في أذهان البعض فيما يتعلّق بسوق العمل، وسنذكر لك منها ما يأتي:
- ضرورة أن تكون سيرتكَ الذّاتيّة مبدعة وجذّابة: وهو ليس دائمًا ما يكون صحيحًا، إذ إن الأهم من رص الكلمات بحذاقة، وترتيب فقرات سيرتكَ الذّاتيّة بأسلوب واضح، هو مضمون السّيرة الذّاتيّة، من حيث الخبرات والمهارات، والدّورات التدريبيّة القويّة، والمطلوبة في سوق العمل.
- لن يقرأ رب العمل السّيرة الذّاتيّة المكوّنة من ثلاث صفحات: وقد يكون هذا الأمر صحيحًا إلى حدٍّ ما، فرب العمل ليس لديه الوقت لإهداره على قراءة تفاصيل أسهبت بتكرارها، بل يريد أن يقرأ ملخّصًا شاملًا ووافيًا عن جميع مهاراتكَ وخبراتكَ ذات العلاقة المباشرة بالوظيفة التي تريد أن تتقدّم لها، على الأقل في الصّفحة الأولى من سيرتكَ الذّاتيّة، وتستطيع ذكرها بشيء من التّفصيل الضّروري بالصّفحتين التّالييتين، فاحرص أن تكون الصّفحة الأولى جيّدة لتشجّع رب العمل على الاستمرار في قراءتها كاملة، فإذا كانت كذلك، فإن رب العمل سيقرأ سيرتك الذاتية حتى وإن كانت طويلة.
- التنقّل الوظيفي مضر: فقد تضطر في مرحلة من مراحل حياتكَ للقبول بوظيفة أدنى من طموحاتكَ، أو لا تحبّها، وهنا عليكَ أن لا تكف البحث عن وظيفة أحلامكَ التي طالما رغبت بها، فبالنّهاية الجميع يستحق أن يكون سعيد في عمله، وراضٍ عنه، ففي بعض الأحيان يكون التنقّل بين الوظائف المختلفة مفيد لسيرتكَ الذّاتيّة، باكتساب مهارات وخبرات مختلفة، فإذا استطعت أن توضّح سبب تنقّلكَ بين الوظائف بطريقة مقنعة وإيجابيّة لرب العمل، فستوفّق لا محالة بوظيفة تلبّي طموحاتكَ المهنيّة.
- التّعيين سيكون للأفضل: ليس دائمًا ما يكون صحيحًا، فقد يبحث رب العمل عن جزئيّة معيّنة إن وجدها فيكَ قد تفوز على الآخرين من المرشّحين الذين يفوقونكَ بالخبرة والمهارات.
- لا يوجد موظّف يحب عمله: وهي من أكثر الخرافات العالقة بالأذهان، فقد تعتقد أنّ الوظيفة فقط للحصول على دخل شهري يمكّنكَ من تأمين احتياجاتكَ اليوميّة، فلا ترهن نفسكَ بوظيفة لا تحبّها، فهناك فرق بين وظيفة تكرهها، ووقت عصيب مؤقّت في العمل، فمن المهم أن تحصل على بعض المتعة والسّعادة في تأدية وظيفتكَ، فالتنقّل المقصود به هنا هو اختلاف المراكز الوظيفيّة نحو الأعلى، وليس الانتقال من مركز لآخر أدنى في المستوى منه.
- رفض رب العمل تعيينكَ إلاّ إذا كان لديكَ وظيفة حاليّة: وهو أمر غير صحيح، فرب العمل إذا وافق على تعيينكَ فإنّه يرغب بسرعة انضمامكَ للعمل، لحاجته الماسّة لشغل الوظيفة، ولا يستطيع الانتظار حتّى تمهل المنشأة التي تعمل بها المهلة القانونيّة لتقديم الاستقالة، فأحيانًا يبحث رب العمل عن التفرّغ الفوري للوظيفة.
- رفض رب العمل توظيفكَ إذا طالت فترة انقطاعكَ عن العمل: وقد يكون هذا الأمر صحيحًا إذا لم تستغل فترة انقطاعكَ عن العمل بشيء مثمر ومفيد، فالجميع يعرف مدى صعوبة الحصول على عمل، ولكن هذا لا يعني الاستسلام والمكوث في السّرير دون أي عمل مثمر، إذ تستطيع أن تستغل هذه الفترة بالعمل التطوّعي، أو أخذ دورات أكاديميّة أو تدريبيّة، فالأمر يعتمد على شرح سبب انقطاعكَ عن العمل لفترة طويلة لرب العمل بطريقة إيجابيّة ومقنعة.
- فقدان الأمل بالتّوظيف: وهو ما يفكّر به الأشخاص السلبيّين على الدّوام، إذ يرضخون لفكرة أنّ لا أحد سيوظّفهم، مثل أن يكون عمركَ قد تجاوز الخمسين، أو عدم امتلاككَ الخبرة الضّروريّة للعمل، والحل هنا هو أن تتحلّى بالأمل، وتنبذ الأفكار السلبيّة، فأحيانًا يبحث رب العمل عن أمر مختلف ومميّز في الموظّف المرشّح للوظيفة بغض النّظر عن عمره، أو خبرته المهنيّة.
- جميع أرباب العمل يتصفون بالسوء: وهو أمر غير صحيح، فليس جميع أرباب العمل سيّئين، والأمر مرهون بكيفيّة تعاملكَ مع مديركَ أو رئيسكَ بالعمل، والتزامكَ بقوانين الوظيفة، والالتزام بساعات الدّوام، وإنجاز ما هو مطلوب منكَ على أكمل وجه دون تراخٍ، أو تململ، عندها تستطيع أن تكسب رضا رب العمل، وتفرض عليه احترامكَ.
نصائح للنجاح في سوق العمل
قد تفرض بعض الظّروف كساد على سوق العمل، ما يجعل من المنافسة بين العمالة شرسة، وتتطلّب منكَ أن تكون ذكيًا للفوز بالوظيفة، وتستطيع الاستفادة من النّصائح التّالية بهذا الخصوص:
- حاول دائمًا أن تطوّر من نفسكَ، ولا تقف عند حد معين، بل اكتسب مهارات جديدة تساعدكَ في البحث عن وظيفة، مثل الانضمام لدورات عن كيفيّة التّعامل مع ضغط العمل، أو تقنيّات محاورة الآخرين، أو تعلّم الاستراتيجيّات الصّحيحة والفعّالة في البحث عن وظيفة، بالإضافة إلى مهارات الاستعداد للوظيفة، وكيفيّة إنشاء سيرة ذاتية.
- حاول دائمًا أن تتعرّف على أناس جدد لتوسّع دائرة معارفكَ التي تستطيع من خلالهم الحصول على وظيفة، فعلاقاتكَ الطّيبة مع الآخرين تجعلكَ تعلق في أذهانهم، فعندما تسنح أمامهم فرصة وظيفيّة فسيرشّحونكَ لها.
- أنشئ سيرتكَ الذّاتيّة بذكر مهاراتكَ وخبراتكَ بتدرّج تنازلي، إذ عليك أن تبدأ من الأحدث إلى الأقدم، بالإضافة إلى تعديل سيرتكَ الذّاتيّة باستمرار مع متطلّبات الوظيفة التي تريد التقدّم لها.
- تعاقد مع شركة توظيف لتبحث لكَ عن وظيفة تتوافق مع خبراتكَ ومؤهّلاتكَ، فبعض مكاتب التّوظيف تكون على اتّصال مباشر بحاجة المنشآت إلى ملء الوظائف الشّاغرة لديهم.
- انضم لدورات عبر الإنترنت، أو احرص على قراءة كتب أومقالات إلكترونيّة تفيدكَ في كيفيّة الاستعداد لمقابلة العمل من حيث اللّباس، والإجابة المثلى عن أكثر الأسئلة شيوعًا والتي يطرحها أرباب العمل في المقابلات الشخصيّة.
حقائق غير معروفة عن سوق العمل
هناك الكثير من الحقائق والإحصائيّات الخاصّة بكل سوق عمل بعينه، وفيما يلي بعذ الحقائق العامة عن سوق العمل وأمثلة عليه:
- انخفاض فعاليّة النّقابات العمّاليّة عمّا كانت عليه على مدار ثلاثين سنة ماضية، ما أضعفها وجعل الكثير من العمّال لا ينضمّون لها، فعلى سبيل المثال؛ انخفضت نسبة العضويّة في النّقابات العمّاليّة في السوق الأمريكي من 35% في عام 1954 إلى نحو 11% لعام 2014.
- زيادة مشاركة العاملين من الفئات العمريّة التي تتراوح ما بين 18 إلى 34 عام في سوق العمل، عمّا كانت عليه مشاركتهم فيما مضى.
- يوجد فجوة في الأجور على أساس الجنس، إذ تتقاضى المرأة أجر على السّاعة أقل ممّا يتقاضاه الرّجل الذي يقوم بنفس مهامها، والذي يكون في نفس مركزها الوظيفي.
- اتّساع الفجوة في الأجور ما بين الموظّفين الحاصلين على تعليم أكاديمي جامعي، ونظرائهم الحاصلين على تعلم أقل درجة، ففي السوق الأمريكي كان النّصيب الأكبر من الأجور للجامعيّين، فقد أشارت الإحصائيّات إلى أنّ معدّل الأجر السّنوي الذي يجنيه الجامعيّون حوالي 17,500 دولار، وهو أكثر بكثير من أجر أولئك الحاصلين على شهادة الثّانوية العامّة فقط.
- تدنّي نسبة مشاركة المراهقين دون 18 عام في سوق العمل، عمّا كان عليه في السّبعينيّات من القرن الماضي.
ما العوامل المؤثرة في سوق العمل؟
هناك الكثير من العوامل التي تتحكّم في سوق العمل، وسنذكر لك بعضًا منها فيما يأتي:
- الكثافة السكّانيّة: زيادة الكثافة السكّانيّة تعني زيادة الأشخاص القادرين على العمل والباحثين عنه، ما يحتّم أن يزيد حجم سوق العمل لاستيعاب هذه القوى العمّاليّة، فزيادة السّكان بنسبة 1% تعني زيادة في حجم القوّة العاملة بمقدار 0.74%.
- الدّخل: القوّة الاقتصاديّة للدّولة تتحكّم في تحديد الحد الأدنى للأجور، فإذا كان الاقتصاد قوي ودخل الدّول آخذ بالنّمو سيرتفع الحد الأدنى للأجور بلا شك، والعكس صحيح، وعلى الرّغم من ذلكَ لا يؤثّر تكلفة المعيشة على حجم القوّى العاملة.
- التّحصيل العلمي: الدّولة التي يزيد فيها نسبة المتعلّمين يعني مشاركة أكبر للقوّى العاملة في سوق العمل، ما يزيد من حجم القوّى العاملة فيها.
- القوانين: يتأثّر حجم القوّة العاملة في سوق العمل بالقوانين المشرّعة في كل دولة على حدى، فالدّول التي لا تسمح بمشاركة المرأة في سوق العمل يكون حجمها أقل من تلك التي تسمح بعمل المرأة، وكذلكَ الأمر فيما يتعلق بتشريع السّن القانوني للبدء بالعمل الرّسمي.
قد يُهِمُّكَ
لكن كيف تحدد أجور العمال في سوق العمل؟ لا بد أنك سمعت بمصطلح قانون العرض والطّلب في سوق العمل، إذ يشير عرض العمالة إلى عدد الأشخاص الرّاغبين في العمل، والذين يبحثون عنه بمقادير مختلفة من الرّاتب، والذي يختلف من شخص لآخر، أمّا الطّلب على العمالة فيشير إلى أعداد العمالة التي تحتاج المنشآت إلى توظيفهم عند حدود معيّنة من الرّاتب، بالاعتماد على ما تستطيع تحمّله من تكلفة ماليّة، وتحدد الأجور بين العمالة والمنشآت بالاعتماد على نقطة التّقاطع بين العرض والطّلب، بمعنى أنه كلّما زاد العرض من العمالة في قطاع وظيفي معيّن قلّت الأجور، وكلّما زاد الطّلب على العمالة في قطاع وظيفي معيّن ترتفع الأجور، وهذه الآليّة هي المتّبعة في تحديد الأجر المناسب لكل وظيفة.