سيكولوجية التفكير عند ذوي صعوبات التعلم بين الخيال والواقع
تعتبر عملية التفكير من العمليات العقلية الأساسية، وهي تشغل حيزاً رئيسياً من مجمل القدرات العقلية، فمن خلال التفكير نستطيع السيطرة على المشكلات التي تواجهنا في الحياة. فالأسرة تطلب من أبنائها التفكير والمعلم يطلب من تلاميذه التفكير، فبالتفكير نرتقي بمستوى أدائنا العقلي والسلوكي سواء في التعليم أو في مجالات الحياة الأخرى.
ومما لا شك فيه أن التفكير من أرقى الخصائص العليا التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، فهو عملية معرفية هادفة تقوم بإعادة تنظيم ما نعرفه من رموز ومفاهيم وتصورات في أنماط جديدة. (الطواري، 2017، 14).
وتوجد ثلاث أفكار رئيسية متعلقة بالتفكير وهي: أنه عملية إدراكية تتم داخل عقل الإنسان، كما أن التفكير عملية تعتمد على استخدام المعرفة الموجودة في النظام الإدراكي للإنسان، ويمكن استنباطها من سلوكه فقط، بالإضافة إلى أن التفكير عمل موجه نحو هدف ما ويتمخض عنه سلوك ما من شأنه أن يحل المشكلة وأن يساعد على حلها، ومن ثم فالتفكير يبدأ بمشكلة وينتهي بحلها.
ولأهمية التفكير في حياة الإنسان ربط الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت بين عملية التفكير والوجود الإنساني في مقولته المشهورة “أنا أفكر إذن أنا موجود”، فالتفكير من وجهة نظره دليل على وجود الإنسان. (إبراهيم، 2010، 248).
ولكن قد نتساءل ما هو تعريف التفكير تحديداً؟ حيث إنه لم يُجمع حتى الآن علماء علم النفس المعرفي على تعريف معين يحدد ماهية التفكير، فهل التفكير نوع من العمليات المعرفية أم العمليات المعرفية هي ضرب من التفكير؟ وهل يمكننا أن نقوم بتطوير وتعليم التفكير من خلال البيئة؟
1-التفكير لدى ذوي صعوبات التعلم
اهتمت الدراسات المبكرة في حقل صعوبات التعلم بخصائص الطلاب ذوي الصعوبة وأهملت التفكير لديهم، على اعتبار أن هؤلاء الطلاب لديهم ذكاء متوسط أو أعلى من المتوسط وبالتالي فإنهم سوف يؤدون بطريقة جيدة في اختبارات التفكير، ولكن مع التقدم العلمي في مجال التربية الخاصة ومع ازدياد الاهتمام بمجال صعوبات التعلم نشطت حركة الدراسات البحثية التي تناولت التفكير لدى الطلاب ذوي صعوبات التعلم والتي خرجت بنتائج غير متوقعة، فتوصلت إلى أن الطلاب ذوو صعوبات التعلم لديهم صعوبة في استخدام الاستراتيجيات المعرفية الفعالة، فضلاً عن قصور واضح لديهم في معرفة وتذكر التفاصيل ومراقبة الذات وتصحيح الأخطاء. (متولي، 2015، 213).
كما ُيلاحظ أن هؤلاء الطلبة يظهرون سلوكيات تشير إلى عدم استخدامهم لعمليات التفكير الفعالة، ومن هذه السلوكيات التهور، وعدم القدرة على التركيز، ومقاومة محاولة التفكير، وضعف مهارات التنظيم والتصنيف، والاعتمادية الزائدة على المعلم، وغالباً ما تُعزى أشكال السلوك السابقة إلى الصعوبة التي يواجهها هؤلاء الطلبة في تشكيل المفاهيم، وملاحظة العلاقات بين الأشياء، أو الاستدلال، وحل المشكلات. (الخطيب، 2013)
ويعتبر تعليم التفكير أمرا ممكنا بلا شك، ويعد من أحد أهم متطلبات عصرنا الحالي، حيث إن الذكاء حسب رأي عالم النفس بياجيه يمكن أن يطور وينمى من خلال البيئة والتدريب فيمكننا بالتالي أن نطور وننمي التفكير كذلك.
فقد أشار Dostal، 2015 بأنه يمكن تفعيل أداء الطلاب بمساعدة الوسائل والأدوات المختلفة، أي يمكننا استخدام المحفزات والنماذج والمؤتمرات الإلكترونية، والتصميم المناسب لبيئة المتعلم، والألعاب التعليمية، ولكن الأهم من ذلك هو تعلم التعامل مع المشكلات، فالإنسان يحتفظ بالأشياء التي استكشفها عبر نشاطه التفسيري والاستكشافي لفترة أطول وبشكل أفضل.
لذا لابد من معرفة إن مجرد شرح المسألة غير كافٍ، بل يجب معالجة بعض الأجزاء إلى مشكلات يحلها الطلاب بأنفسهم، وهذا من شأنه أن يدفعهم إلى التفكير الفردي والاستدلال.
ومن الضروري استخدم طرق الاستقصاء لتعزيز مهارات التفكير، كما أن استخدام مسجلات الصوت للسماح لهم بتسجيل أفكارهم، قد يساعد هذا في تنمية ما وراء الإدراك (الانتباه لطريقة تعلم الفرد( فإن تسجيل أفكارهم صوتيًا يعزز التفكير الذاتي لديهم.
2- صعوبات التفكير
كما ذكرنا سابقاً إن عملية التفكير بما تشتمل عليه من أحكام ومقارنة وعمليات حسابية وتساؤل واستدلال وتقويم وتفكير ناقد وصولاً إلى اتخاذ القرار يصعب تحديدها أو وصفها، لأنها تقوم أساساً على تنظيم المفاهيم ثم تجزئة للمعرفة ثم ربطها فيما بينها حتى نصل إلى الهدف المطلوب أو تحقيق مستوى جديد من الفهم هنا، هو قدرة الفرد على ربط المفاهيم ببعضها ثم تنظيمها لنحصل على مستويات مجردة أكثر تعقيداً لمعاني هذه المفاهيم.
ونظراً لعدم قدرتنا على ملاحظة عمليات التفكير نفسها صار من الصعب أن نحدد الأنشطة التي تدخل في عملية التفكير، وإن ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار فقط هو نتائج التفكير. (البطاينة وآخرون، 2005، 113-114).
3- صعوبات التفكير هل هي صعوبات تعلم نمائية أم أكاديمية؟
كما نعلم أن هناك صعوبات تعلم نمائية وصعوبات تعلم أكاديمية، ولكن ما الفرق بينهما؟ صعوبات التعلم النمائية هي الصعوبات التي تتعلق بالعمليات المعرفية مثل التفكير، الذاكرة، الإدراك، الانتباه، واللغة. أما صعوبات التعلم الأكاديمية هي الصعوبات التي تتعلق بالأداء الأكاديمي وتتمثل بالقراءة، الكتابة، التعبير والحساب والمواد الأخرى.
إذاً تعد صعوبات التفكير من صعوبات التعلم النمائية التي يعاني منها الطفل ذو صعوبات التعلم، وهذا يدل بأن صعوبات التفكير تؤثر بشكل كبير على الجانب الأكاديمي للطفل وبالتالي التحصيل الدراسي، ولكن هل حقاً هناك علاقة بين صعوبات التعلم النمائية وصعوبات التعلم الأكاديمية؟ وهل يؤثران على بعضها البعض؟
أكدت أغلب الدراسات أن هناك علاقة ارتباطية بلا شك بين صعوبات التعلم النمائية وصعوبات التعلم الأكاديمية، ومن أحد هذه الصعوبات النمائية التفكير، حيث أن صعوبات التعلم النمائية هي الأساس في وجود صعوبات تعلم الأكاديمية وهي المنشأ، وتصل هذه النسبة حسب الدراسات المسحية إلى 90% من الطلاب، ومن هنا نرى أنه يجب علينا الاهتمام بالعمليات النفسية الأساسية مثل التفكير بشكل أكبر.
4- المعلم وصعوبات التفكير
إليك أيها المعلم الفاضل بعض المقترحات لتنمية التفكير للتلاميذ خلال الدرس حيث يمكنك استخدام أسلوب الحوار والمناقشة في التدريس بدلاً من التلقين، وإتاحة الفرصة للخيال والتفكير التأملي، وكذلك السماح للتلميذ بطرح أفكاره دون مقاطعته بسبب خطأ عابر ومراعاة عدم انتقاد التلميذ، بالإضافة إلى تقبل كل الأفكار التي يطرحها التلميذ ثم على المعلم المساعدة في إعادة ترتيبها وتطويرها، وأيضاً السماح للتلاميذ الآخرين بطرح الأسئلة وتقديم المقترحات أو الإجابة على بعض الأسئلة مع مراعاة الاحترام المتبادل بين الجميع. (الشريف، 2011).
أخيراً؛ يجب أن نوضح أن الطفل ذا صعوبات التعلم لا يعاني من الإعاقة العقلية؛ وبالتالي لا يعني ارتباط التفكير بالذكاء لدى هؤلاء الأطفال، فقد أكدت العديد من الدراسات الأجنبية أن الأطفال ذوو صعوبات التعلم يعانون من نقص في عمليات التفكير بشكل عام، مثل التخطيط لحل المشكلات ومهارات ما بعد المعرفة، وتظهر على الأطفال بعض السلوكيات الواضحة لضعف عملية التفكير، ومما يجب أن نعلمه؛ أن الطفل ذا صعوبات التعلم يتميز باستخدام التفكير الحسي إلا أنه ضعيف في التفكير المجرد.
وش اسوي