قضايا وتحديات في التعليم عن بعد
تواجه العملية التعليمية في الوقت الحالي تحديًا حقيقيًا في ظل وجود جائحة كورونا والتي تهدد أمنه وسلامته، ليست الفكرية والمعرفية فحسب بل الحياة البشرية في مجتمع التعلم من المعلم والطالب والإداري وجميع العاملين في فلك التعليم، وبالتالي تهدد البشرية كافة.
ولأن التعليم والتعلم عملية مستمرة لا تتوقف عجلتها عن الاستمرار والعطاء في الحياة، فتوقفه يعني الظلام الفكري وموت القيم الإنسانية. فالتعليم والتعلم هو الشمس والهواء والماء لوجود الحياة، والتعليم هو نور البشرية من الأخلاق والمعرفة النبيلة والخدمات وغيرها.
وقد اتجهت معظم دول العالم لمواجهة هذه التحدي والإبقاء على العملية التعليمة بتوفير شكل جديد من أشكال التعليم وهو التعلم أو التعليم عن بعد، وتفاوتت الدول في نجاح العملية التعليمية الجديدة من خلال ضمان توفير البنية التحتية وتأهيل منظومتها وكوادرها ومدى ملاءمة مناهجها التعليمية وتوفير برامج التفاعل والاتصال في التعلم المتزامن وتوظيف المنصات الإلكترونية وإعداد المحتوى الرقمي وغير ذلك.
وشهد نظام التعليم شكلًا وواقعًا جديدًا يتماشى ومتطلبات جائحة الوباء العالمي، وبالتالي شهد تحديات ومعضلات تهدد منظومة التعليم، وعلى رأسها تمكين المعلم الذي يعد الركيزة الأساسية في بناء منظومة التعليم. والسؤال في هذا الصدد: هل المعلم قادر على قيادة العملية التعليمية من استخدام التكنولوجيا وبرامج وتقنيات التعليم في ممارساته التعليمية، فضلًا عن القدرة على امتلاكه مهارات التقديم والعرض الإلكترونية في التعليم المتزامن؟ فليس شرطًا أن يكون المعلم الناجح في ممارساته التعليمية والفعال في الغرفة الصفية قادرًا على تطبيق ذلك في التعلم عن بعد، وهذا دور التربية في تمكين وتأهيل المعلم بتوفير كافة السبل لنجاح عمله الجديد، إذ يحتاج المعلم إلى تدريب وتأهيل في التعامل مع المحتوى الإلكتروني وكيفية إعداده وتوفير المستلزمات لتنمية مهارات التدريس عن بعد، وبخاصة مهارات التحدث، ونبرة الصوت، وطرق ضبط الطلبة بغياب لغة الجسد والإيماءات التي كانت تساعده في الغرفة الصفية.
والجانب الآخر في التحديات يتمثل في ظهور تحديات تؤثر على تعلم الطلبة، إذ يرى المختصون التربوييون أهمية التصدي المبكر لقضايا تعليم الطلبة المستجد، وإن عدم معالجة أي مشكلة أو ظاهرة سلبية محتملة الحدوث في قضايا ومستجدات التعليم كالتعليم عن بعد مثلاً يؤدي في النهاية إلى انتشارها مما يؤثر على العملية التعليمية بشكل سلبي.
فيجب علينا تسليط الضوء على تحديات ومشكلات التعليم المستجد، بتمكين المعلمين أولاً، وأولياء الأمور والإعلام ثانياً، ليكون الطالب بمأمن عن انتشار الظواهر السلبية والتحديات التي تعيق تعلمه، ومنها ظاهرة التنمر الإلكتروني، والتي تعد واحدةً من أبرز التحديات التي يمكن أن تعيق عمل التعليم في مشروع التعلم عن بعد الذي يتم فيه توظيف الأجهزة الرقمية وصفحات التواصل الاجتماعي والتقنيات والبرمجيات.
ونجد في مواقع التعلم عن بعد أن نسبة كبيرة تتحدث عن أهمية التصدي لموضوع التنمر الإلكتروني. ويوضح التربويون بأن الطلبة يتعرضون للتنمر سواء داخل المدرسة أو خارجها أو يصل إليهم عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. وإن 15% فقط من الطلبة يعترفون بأنهم قد تعرضوا للتنمر الإلكتروني. لكن لم نجد طرح حلول للوقاية أو العلاج من واقع التنمر الإلكتروني في المواقع، و عدم وجود محتوى موجه للطلبة لتثقيفهم وتوعيتهم بطرق الوقاية والعلاج من التنمر الإلكتروني. وأصبح موضوع سلامة وأمن المدارس مركز اهتمام الإجراءات التشريعية للدولة. وبسبب زيادة التنمر الإلكتروني تم وضع تشريعات للحد منه ما بين 2006-2010 في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وغيرها.
والتنمر الإلكتروني هو أي سلوك سلبي أو عدائي غير مرغوب به من خلال استخدام التكنولوجيا بأشكالها المختلفة وتؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، والأذى يتمثل في إعاقة تعلم الطالب وغياب دور المعلم في إحداث التغيير المطلوب وتحقيق الهدف من العملية التعليمية.
وما يميز التنمر الإلكتروني عن التنمر في التعليم المباشر هو أن الأول لا حدود مكانية ولا زمانية له، معنى ذلك سرعة انتقاله وكثرة تأييده من قبل الكثيرين واتساع رقعته، وصعوبة في معرفة مصدر التنمر، وحدوث التنمر في أوقات مختلفة دون تحديد وقت بداية التنمر أو نهايته كحدوثه منتصف الليل أو في الصباح الباكر مثلاً، بسبب وجود التقنيات والتسجيلات، فضلاً عن الآثار السلبية العديدة التي يتركها التنمر الإلكتروني في الضحية.
وللتنمر الإلكتروني أشكال وصور متعددة مثل: الرسائل السلبية والعنصرية اتجاه فرد أو أفراد، والترويج للإشاعات التي تشوه صورة وسمعة الشخص، وكذلك استغلال ممتلكات الفرد مثل استخدام صورته أو مقطع مرئي له بدون علمه أو تدمير الممتلكات (الفيروس)، وهنالك أشكال متعددة من التنمر الإلكتروني.
وينتج عن هذا السلوك عواقب سلبية في التعليم، تتمثل في ضياع جهد المعلم، وضياع تحقيق الهدف التربوي والتعليمي، ويترتيب عليه حدوث مشاكل نفسية واضطرابات سلوكية تتمثل في الاكتئاب والقلقل والخوف، وشعور الطالب بعدم الثقة بالنفس وفقدان السيطرة على الذات، كما ينتج عنه خسائر مادية ومعنوية تتمثل في الممتلكات والوقت … الخ.
والسؤال الموجه للسياسات التربوية الآن هو: كيف نواجه هذا التحدي ونضمن عملية تعليم راقية؟ وكيف نضمن دور المعلم في تحقيق التعليم والتصدي لمثل هذه الظاهرة؟
في البداية، يجب الانتباه إلى دور المعلم وتأهيله وتدريبه على قيادة العملية التعليمية عن بعد، من خلال توفير البرامج التدريبية من المعاهد والجامعات، ويجب تكاثف جهود جميع المؤسسات معه، مثل الإعلام والاتصالات والجامعات وغيرهم لأنهم شركاء في مواجهة هذا الوباء العالمي وفي ضمان جودة التعليم.
وفي مواجهة تحدي التنمر الإلكتروني وحماية طلبتنا منه، يجب النظر إلى الموضوع من زوايا متعددة، مع تكاثف الجهود وتوعية كل من المعلمين والطلبة وأولياء الأمور واستثمار دور الإعلام في ذلك. ويجب على السياسات التربوية وصناع القرار العمل على مواجهته من خلال التنويه لمخاطره ومعرفة أسبابه، ولا ننسى دور الإرشاد التربوي في تقديم النصح والإرشاد للمعلمين من أجل التعامل معه، ومعرفة طرق الحد من انتشاره ومنعه، وكذلك توعية الأهل والمجتمع بشكل عام. ويمكن مواجهة التحدي من خلال:
- معرفة الدافع وراء هذا السلوك الذي يعد سلوكًا غير طبيعي نتيجة اضطربات نفسية، أو مشاكل أسرية أو الشعور بالنقص أو تعرض الشخص المتنمر لتنمر سابق.
- ملاحظة المعلم وأولياء الأمور التصرفات الآتية على الطالب مثل عزوف الطالب عن استخدام الأجهزة الإلكترونية كالحاسوب والهاتف، والقلق والخوف عند استقبال أي اتصال أو محادثة أو رسائل البريد الإلكتروني.
- ملاحظة اكتئاب الطالب وعزلته عن أصدقائه ومجمتعه مع تغيير في المزاج والعصبية وقلة النوم. وكذلك الخروج خارج المنزل أو الابتعاد عن الأنظار عند استعمال الأجهزة، أو إخفاء الشاشة عندما يقترب منه أحد، وتجنب الحديث عن عمله أو ماذا يفعل، و كثرة حذف الحسابات الخاصة به، أو تغييرها بشكل دائم وتغيير أرقام الهاتف.
- تراجع عام في المستوى الدراسي والتحصيل وفي الرغبة في الدراسة.
وهذه بعض الممارسات التي تمكن المعلم في التعليم عن بعد من مواجهة التنمر الإلكتروني:
- تخصيص جزء من الحصة في التعلم عن بعد لتوعية الطلبة بمخاطر التنمر الإلكتروني.
- التركيز على آداب الحوار والمناقشة والتواصل الإيجابي والاحترام المتبادل.
- التنبيه باسم القانون والعقوبات الرادعة اتجاه التنمر الإلكتروني.
- تكليف الطلبة بعمل ملصقات ورسومات ومسابقات حول (لا للتنمر الإلكتروني) ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي.
- التواصل مع الطلبة وإشعارهم بأهمية إخباره أو إخبار ولي الأمر في حال وقوع أي نوع من أنواع التنمر الإلكتروني.
- التعاون مع المرشد التربوي وأولياء الأمور من أجل الحماية من التنمر الإلكتروني.
وفي النهاية نشكر كل من ساهم في ضمان جودة التعليم في وطننا العربي والخروج من النفق المظلم ومواجهة التحديات، شكرًا للمعلم وصانعي القرار التربوي ومؤسسات المجتمع ولكل من شارك في نجاح العملية التعليمية عن بعد.
وفي الحقيقة، هنالك تحديات كثيرة ستظهر كعائق أمام التعليم في ظل هذه الأزمة، وحتى يكون التعليم فعالًا ويلبي الطموح بنتائجه -من وجهة نظري- يجب تمكين المعلم لا انتقاده وتوفير كافة الإمكانيات المادية والمعنوية له، والانتباه إلى القضايا المستجدة في التعلم عن بعد.