فقدان الرغبة في العمل
إن حياتكَ المهنيّة صورة مصغّرة عن حياتكَ عمومًا، فيها صعود وهبوط في نشاطكَ، ومد وجزر في حالتكَ النّفسيّة، فلا بد أنّكَ عانيت من فترة لأخرى من فقدان الدّافع للنهوض من فراشكَ والذّهاب لعملك الذي طالما حلمت به، وتبدأ تنظر له على أنّه روتين يومي ممل لا يقدّم لكَ ما كنتَ تتوقّعه منه، وتراودكَ الأفكار حول تقديم استقالتكَ، وترك العمل، ولكن عليكَ أن تعرف أنّ عملكَ الجديد سيمر بلحظات مماثلة تفقد فيها حماستكَ تجاه العمل، فإعادة الحماسة لوظيفتكَ لا تحتاج قرارات متسرّعة، وحلول قصيرة الأجل، بل خطوات متأنّية ثابتة ينتج عنها حلول طويلة الأمد ترفع مستوى الرّضا الوظيفي لديكَ.
كيف تتغلب على مشكلة فقدان الرغبة في العمل؟
إن وجود تحفيز الذّات، وخلق الدّافع الذي يجعلكَ تتغلّب على فقدان الرّغبة في العمل قد يكون صعبًا، ولكنّه ما يميّز المحترفين، والمتفوّقين عن غيرهم، وإذا أردت أن تكون ضمن هذا التّصنيف النّاجح من الأشخاص ما عليكَ إلاّ أن تقرأ بتمعّن النّقاط التّالية:
- دائمًا ذكّر نفسكَ بالهدف الذي جعلكَ تتقدّم للوظيفة، وترغب بقبولكَ بها، فتجديد تذكير نفسكَ بهذه الأهداف يلعب دورًا كبيرًا في إنعاش الدّافع لديكَ للعمل بنشاط، والسّبب الذي يجعلكَ تريد بلوغ هذه الأهداف، فأحيانًا يكون فقدان الدّافع للعمل هو نسيان الأهداف التي تدعوكَ لإنجاز مهامكَ الوظيفيّة، فعندما تبذل جهدًا معينًا دون هدف يرشدك، من الطّبيعي أن تنخفض طاقتكَ للعمل، ويصيبكَ الملل.
- أغمض عينيكَ وابدأ بتخيّل الإجراءات التي يجب عليكَ فعلها لتنجز عملكَ، وكأنّه تخطيط ذهني يساعدكَ على التقدّم خطوة نحو التغلّب على الكسل في العمل.
- أحط نفسكَ بأشخاص إيجابيّين ناجحين في عملهم، وحتّى في مقر عملكَ ابتعد عن الشخصيّات السلبيّة السامّة، واستبدلهم بالشخصيّات الطّموحة، التي تعمل بجهد من أجل النّجاح وتحقيق أهدافها، فالبيئة التي تضع نفسكَ بها معدية، وأنت تريد أن ينتقل لكَ هوس النّجاح بالطّبع، على فيروس التّشاؤم والسلبيّة.
- اقتنع بذاتكَ، وآمن بقدراتكَ وإمكانيّاتكَ، واحذر من مقارنة نفسكَ مع الآخرين، الأمر الذي يدفعكَ للإحباط، واليأس، فكل شخص لديه صفات تميّزه عن غيره، يتميز بها ولا توجد لدى الآخر، وتذكّر أنّكَ أنتَ أيضًا تمتلك مثل هذه الصّفات التي يرغب الكثيرون في امتلاكها، وهنا ننصحكَ أن تكون على طبيعتكَ، وتقدّر ذاتكَ وتحترمها، ليحترمكَ من حولكَ، فالاحترام ينبع من الدّاخل باتّجاه المحيط الخارجي.
- عندما تواجه صعوبة في إنجاز مهمّة ما، خذ نفسًا عميقًا، ولا تنظر لها كرزمة واحدة، بل حاول تقسيمها لعدد من المهام الصّغيرة التي تسهّل عليكَ إنجازها.
- حاول أن يكون لديكَ روتين صباحي قبل أن تبدأ بعملكَ، مثل تناول فنجان من القهوة، أو القراءة في كتاب يحفّزكَ، ويعطيك دفعة للأمام، أو الاستماع للموسيقى، أو تستمع لأحد مدرّبي الحياة الذين يلهمونكَ ويرفعون من معنويّاتكَ.
- تأكّد أنّ النّجاح لا يأتي بين ليلةٍ وضحاها، بل هو سلّم يحتاج منكَ المثابرة والصّبر لبلوغ أعلاه، فعندما تفشل في العمل، تذكّر أنّك لم تخسر، بل استطعت أن تتعلّم من هذا الفشل مهارة جديدة، أو خبرة تدفعكَ تجاه سلّم النّجاح، إلى جانب أنّ عملكَ الجاد المتواصل أيضًا لن يوصلكَ لهدفك بالنّجاح أو الترقّي بسرعة، بل تحتاج للوقت الكافي لذلكَ، وكل ما عليكَ فعله هو أن تأخذ قسطًا من الرّاحة، أو تأخذ إجازة بعد إتمام فترة مجهدة وصعبة من العمل، لتجديد نشاطكَ، فقد تمر أشهر وحتّى سنوات قبل بلوغ هدفكَ، ومن غير المنطقي أن تقضي هذه الفترة بعمل متواصل دون راحة.
- حاول إضافة تغييرات لروتينكَ اليومي، مثل أن تعتاد النّوم مبكّرًا، اكسر هذه العادة بالسّهر ولو ليوم في الأسبوع، أو إذا كنتَ تستيقظ دائمًا متأخّرًا حاول ضبط منبّهك للاستيقاظ باكرًا والاستمتاع بوجبة فطور، وممارسة تمارين رياضيّة براحة دون سرعة، فلا تمارس روتينًا مملًا لفترات طويلة حاول التّغيير والمراوحة بين عاداتكَ.
- اإزرع في نفسكَ الإيمان الرّاسخ بقدرتكَ على النّجاح، والإيمان بقدراتكَ، وأنّ كل ما تحتاجه هو الوقت والعمل الجاد للوصول لهدفك.
نصائح لتزيد من حماسك للعمل
تحتاج من فترة لأخرى لشحذ همّتكَ، وإشعال حماسكَ تجاه عملكَ، لتستطيع الاستمرار بإنجاز المهام بإتقان، وفعاليّة، بعيدًا عن الملل، أو فقدان الدّافع، ومن بعض النّصائح التي تساعدكَ على إعادة الحماسة والإثارة لوظيفتكَ:
- من الجيّد أن تفصل دماغكَ عن العمل من فترة لأخرى أثناء العمل، بالتحدّث مع زميل، أو الاستمتاع بشرب فنجان قهوة، أو النّظر من النّافذة نحو الأفق، أو إغماض عينيكَ وأخذ فترة من التأمّل والتنفّس العميق، أو حتّى أخذ إجازة من العمل للذّهاب للاستجمام، أو حتّى البقاء في المنزل مع العائلة والاسترخاء، فتفكيركَ المتواصل بالعمل لن يعود عليكَ إلاّ في تقليل حماستكَ للعمل، وانخفاض طاقتكَ.
- تذكّر أنّ تحقيق هدفكَ بالنّجاح بوظيفتكَ أهم من مقدار الرّاتب الذي تتلقّاه منها.
- لا تتجاهل المشاكل التي تعترضكَ في العمل، وتسبّب لكَ الشّعور بالإحباط والتوتّر، فإنكارها يزيد من تأثيرها في نفسيّتكَ، بل حاول تدوينها في مفكّرة يوميّة بالكثير من الإسهاب، وبصراحة دون خجل، وكلّما ظهرت مشكلة جديدة أضفها للقائمة، فكتابة ما تمر به خلال يومكَ في العمل، وحياتكَ عمومًا من أفضل وسائل تقزيم المشاكل لمعرفة التّعامل معها بعيدًا عن تضخيمها.
- تعلّم ثقافة أن تقول “لا” لرفض أي مسؤوليّات تفوق طاقتكَ، وقدرتكَ على إنجاز المهام، أو لا تتناسب مع خبراتكَ، وكفاءتكَ، ويمكن أن تتحدّث مع مديركَ بهدوء، ومهنيّة، بعيدَا عن تأطير الأمور بإطار شخصي، لتوصل له سبب رفضكَ.
- احرص على خلق توازن بين حياتكَ المهنيّة، وحياتكَ الشخصيّة، فلا تنخرط كثيرًا في العمل لدرجة أن تخسر معها أصدقاءكَ، أو صحّتكَ، أو عائلتكَ، فكما لعملكَ عليكَ حق، كذلكَ لبدنكَ وعائلتكَ، وأصدقائكَ عليك حق، فإحاطة نفسكَ بالعائلة والأصدقاء تجعلكَ مستقرًا عاطفيًّا، وتساعدكَ على إبقاء الأمور في مسارها الصّحيح.
- استشر أحد الأصدقاء الذين تثق برأيهم، وعانوا من فقدان الرّغبة في العمل في مرحلة من حياتهم، واطلب نصحه لكيفيّة تخطّيك مثل هذه المشكلة، وإعادة الحماسة لحياتكَ المهنيّة.
- وسّع شبكتكَ الوظيفيّة الاجتماعيّة، مثل الانضمام لمنتديات بها أعضاء من نفس مركزكَ الوظيفي، واستفد من خبراتهم، ومقترحاتهم التي قد تفيدك في إثراء عملكَ، وتزيد من قيمتكَ الوظيفيّة.
- اهتم بصحّتك البدنيّة بتناول نظام غذائي صحّي متوازن، وتناول كميّة وافرة من الماء، التي تمنحكَ الطاقة التي تحتاجها للنّشاط والحيويّة، والتّقليل من الأطعمة الدّسمة بالدّهون، والسكريّات، اعتقادًا منكَ أنّك الأكفأ في منح جسمكَ الطّاقة، ولكنّه تصوّر خاطئ، فإن كانت هذه الأطعمة ترفع من طاقة الجسم إلاّ أنّها ترفعه مؤقّتًا، وسرعان ما يفقد الجسم طاقته بعدها، ولكن الماء، والطّعام الصحّي يمنح جسمكَ مستويات من الطّاقة على مدى طويل.
- احرص على ممارسة التّمارين الرياضيّة التي تضمن لكَ مستوى حياة أفضل، وترفع من معنويّاتكَ، وتحسّن حالتكَ المزاجيّة، وتزيد ثقتكَ بنفسكَ.
كيف توازن بين حياتك العملية والشخصيّة؟
كنّا قد تطرّقنا في نقطة سابقة لأهميّة خلق توازن بين حياتكَ المهنيّة، وحياتكَ الشخصيّة خارج إطار العمل، فتعدّي أي من هاتين الحياتين على الأخرى قد يكون مرهقًا، سواء على مستوى انخفاض الإنتاجيّة، وفقدان الدّافع نحو العمل، أو على صعيد العلاقات الشخصيّة، والصحّة البدنيّة والعقليّة، وهو ما يطلق عليه الإرهاق العاطفي ولتجنّب الوقوع في الإرهاق العاطفي الذي بالتّأكيد سيكون له تأثير سلبي على حماستكَ في العمل، إليكَ هذه النّصائح لستاعدك في خلق توازن صحّي ومريح بين حياتكَ الوظيفيّة والشخصيّة:
- ركّز على نقاط القوّة لديكَ، وأوكل المهام التي تشعر بضعفكَ بإنجازها لغيركَ، فلا تحاول أن تكون سوبرمان تقدّم الحلول والمساعدة للجميع، بل استعن بمصادر مساعدة خارجيّة سواء في العمل، أو خارجه، بدلاً من إضاعة وقتكَ، وجهدكَ بشيء غير مثمر، ومستنزف لطاقتكَ.
- حاول ترتيب أولويّاتكَ في العمل، وفي حياتكَ الشخصيّة إلى أربع فئات، أولها فئة المهام العاجلة والمهمّة التي لا تحتمل تأخيرًا، وثانيها فئةالمهام الضّروريّة التي تحتمل التأجيل، وثالثها فئة المهام المستعجلة ولكنّها غير بالغة الأهميّة، وآخرها فئة المهام التي تحتمل التأجيل وليست على مستوى من الأهميّة.
- عندما تواجهكَ مشاكل شخصيّة لا تحاول دفن نفسكَ بالمزيد من العمل، ما يأتي عليكَ بردّة فعل عكسيّة وتفقد شغفكَ بالعمل، ولكن حاول أن تجد لنفسكَ مساحة شخصيّة لذاتكَ لمواجهة مشاكلكَ، وعدم الهروب منها.
- حدّد جدولًا زمنيًا تخصّصه للعمل، وتلتزم به ولا تتعدّاه، فإن لم تفعل ذلك فإنّك ستستنزف طاقتكَ في العمل لساعات متأخّرة من اللّيل دون أن تعي ذلكَ.
- كما خصّصت جدولًا للعمل، عليكَ أن تخصّص جدولًا لمتطلّباتك الشخصيّة، والعائليّة، تدرج فيها المهام والأنشطة الواجب عليكَ أن تفعلها، وتخصيص وقت للجلوس والاسترخاء مع العائلة، والأبناء، أو الخروج مع الأصدقاء، وحضور المناسبات الاجتماعيّة والتّرفيه عن نفسكَ.
- حاول أن تعمل بذكاء لا بجهد، من خلال الاستعانة بالتّكنولوجيا التي توفّر عليكَ الكثير من الجهد والوقت سواء في العمل، أو المنزل.
- عليكَ أن تولي أهميّة لتمارينكَ الرياضيّة، تمامًا كالأهميّة التي توليها لعملكَ، فلا يجب عليكَ أن تلغي حصّة يوغا، أو مماسة الجري المسائي، من أجل إنجاز مهام في العمل، لأنّ اهتمامكَ بلياقتكَ تساعدكَ في التّركيز بعملكَ، وزيادة إنتاجيّتكَ، وتزيد من ثقتكَ بنفسكَ، وبالتّالي تزيد من رضاكَ الوظيفي، فالعقل السّليم في الجسم السّليم.
- دائمًا احتفظ بهواية تميل نفسكَ إليها، وتحبّ ممارستها، وخصّص لها الوقت الكافي لتشبع شغفكَ، وننصحكَ أن تكون هذه الهواية فيها قدر من الإبداع والابتكار، الذي يعزّز قدراتكَ الذهنيّة، ويزيد من ثقتكَ بنفسكَ، ويجعلكَ تشعر بالسّعادة، والسّلام الدّاخلي الذي يمكّنكَ من مواجهة العقبات بعقلانيّة، بعيدًا عن التوتّر والانفعال العصبي.
- حاسب نفسكَ، واحصل على تغذية راجعة لإنجازاتكَ العمليّة، والشخصيّة، وتبيّن النّقاط التي أخفقت بها، وحاول العزم على تصحيحها، وحدّد النّقاط التي نجحت بها لتعزيزها، ورفع حالتكَ المعنويّة.
- كن واقعيًّا في تحديد المهام التي عليكَ إنجازها سواء بالعمل، أو في حياتكَ عمومًا، فرفع مستوى التوقّعات قد يعود عليكَ بالسلبيّة والإحباط، ولكن واقعيّة هذه التوقّعات وإن كانت بوتيرة بطيئة تضمن وصولكَ لهدفكَ الأعلى يومًا ما.
- خصّص وقتًا يوميًا لنيل قسط من الرّاحة والاسترخاء النّفسي، لممارسة تمارين التنفّس العميق، أو التأمّل، أو اليوغا، فالرّوح أيضًا تحتاج إلى رياضة وترويض، لتدريبها على كيفيّة مواجهة التوتّر والقلق، ولتتعلّم كيف تسيطر على مشاعركَ، وتتحكّم بأفكارك وتجعلها إيجابيّة، وتنحّي السلبيّة منها.
- لا تبخل على نفسك برحلة ترفّه بها عن نفسكَ كل ثلاثة أشهر على الأقل، أو حتّى كل عطلة نهاية أسبوع، تستغلّها سواء بالسّياحة الدّاخليّة، أو السّفر والاستمتاع بالسّياحة الخارجيّة، فللسّفر والاستجمام الكثير من الفوائد التي تعود بالنّفع على صحّتكَ الذهنيّة، والبدنيّة، وحتّى حياتكَ العمليّة.