ماذا يعني التنافس الإمبريالي؟
تُعرّف الإمبريالية بأنّها سياسة تتبعها بعض البلدان الرأسمالية، وتُهيمن من خلال سلطتها على مناطق مجاورة لها، وتستحوذ على الأراضي بفرض سيطرتها الاقتصادية والعسكرية بالقوة، ويعدّ لفظ الإمبريالية لفظ مُدين للدولة الرأسمالية التي تتبعها في سياستها، ولم تنته الإمبريالية يومًا، فهي واضحة منذ العصور القديمة، فالتاريخ القديم يروي أحداثًا مختلفة عن التنافس الإمبريالي لكثيرٍ من الدول الرأسمالية حتى أصبحت قوة مهيمنة خلافية بين دول وشعوب العالم،ويعني التنافس الإمبريالي الصراع الذي شهدته الدول الأوروبية بتنافس كل منها على توسعة أراضيها والذي أدى لحدوث قلق بين المتنافسين للسيطرة على الأراضي، والأسواق، والصناعات، والعمل، والموارد الأساسية، لتنال لقب إمبراطورية أو دولة عظمى، وزادت المنافسات للدول الرأسمالية مما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى بعد اتباع سياسة التحالف، والتنافس في التسلح، وحدوث عدد من الأزمات الدولية.
دوافع الإمبريالية
توجد العديد من الدوافع التي وَجهت الإمبراطوريات الكبرى لممارسة سياسة الإمبريالية، تعرّف على هذه الدوافع فيما يلي:
- دوافع اقتصادية: كان هدفهم التوسعة الاقتصادية وزيادة الأرباح عن طريق جلب الموارد البشرية والعمالة الرخيصة، وفرض سيطرتهم على مصادر العمل كالأسواق وما يجري فيها من معاملات كالبيع والشراء، ووضع أيديهم على الموارد والثروات الطبيعية، وتوريد وتسويق المواد الخام الأساسية، ومن خلال سيطرتهم على البنية الرئيسية للنقل والطرق المهمة والاستراتيجية، كالسيطرة التي فُرضت على قناة السويس لاختصار طرق السفر بين قارتي آسيا وأوروبا.
- دوافع استكشافية: وتتمثل في استكشاف المناطق غير المعروفة من قبل السكان المحليين للبلاد، وذلك لعدة أغراض، قد تكون لإجراء أبحاث طبية أو علمية، أو من أجل المغامرة، إذ اكتشفوا عددًا من الأراضي رسموا خرائطها وطالبوا بها لنيل البطولة والمجد، وكخدمة للتوسعة الإمبريالية.
- دوافع عرقية: تمثّلت أهدافهم بالغزو الثقافي، إذ تعتقد أنّ الدول الإمبريالية بأنّها تمتلك موروثًا ثقافيًا ومعتقدات أعلى شأنًا من ثقافات ومعتقدات الشعوب الأخرى، وكانوا يعتقدون أنّ الإمبريالية تتحقق بنشر ثقافتهم للشعوب الذين يفرضون سيطرتهم عليهم، فقد كانوا ينظرون نظرة فوقية للشعوب الأقل حظًا معتمدين على نزعتهم العرقية وأنهم يفوقون أغلب شعوب العالم.
- دوافع سياسية: وتتمثل بالتنافس الإمبريالي بين البلدان الرأسمالية لتحقيق السيادة، والقومية ،والفخر الوطني، والمجد، والهيبة، إذ سعت هذه الدول لنشر قواتها في مناطق استراتيجية في مختلف أنحاء العالم بهدف التوسعة؛ ولنيل لقب الإمبراطورية؛ ولتعزيز أمان الدولة وقواتها.
- دوافع دينية: فكان هدفهم توحيد الديانة التي تتبعها الإمبراطورية، وأن تتبع لهم جميع الدول التي يفرضون سيطرتهم عليها، ومن خلال توحيد الديانة ينشرون أفكارهم، وثقافتهم، ولغتهم، ومثال على ذلك، إقامة الكنائس في الدول التي احتلت في القرن التاسع عشر من قبل المبشرين المسيحيين.
الإمبريالية بين الماضي والحاضر
تعرّف فيما يلي على تاريخ الإمبرالية بين الماضي والحاضر والتحوّلات التي مرّت بها:
اتجاه الإمبرالية من الشكل القديم لسياسة الاقتصاد الحر
شهدت الإمبرالية قديمًا توتراتٍ تجارية بين الولايات المتحدة والصين، وشهد الاتحاد الأوروبي أزمة اقتصادية، وصراعات إقليمية، وازداد التنافس بين الدول الكبرى لتحقيق المقاصد التجارية، والاقتصادية، والوطنية، واستمرت باستعمار الدول واضطهادها باتباع المظاهر الخفية للإمبريالية من الاستغلال الثقافي، والعبودية الاقتصادية والعسكرية، والنهب، وهي مراحل الرأسمالية التي نمت من خلالها بعد تأسيسها بأربعة عشر عامًا، أصبحت الإمبريالية في المرحلة المتوسطة بعد نشأتها نهج دولي للتطوير الإنتاجي الرأسمالي والاقتصادي، والعلاقات المتبادلة بين عدد من الدول الكبرى، وهي المرحلة الأعلى والأكثر قوة وأخذت سياقًا آخر بعيدًا عن المظاهر الأولى البربرية والقسرية التي اتبعوها، واتجهوا نحو الاقتصاد الحر وهو العصر الذهبي للإمبريالية وفيه تراجعت المنافسة والرأسمالية بحلول عام 1870.
الانتقال من المنافسة للاحتكار
بحلول عام 1900 نظّمت الدول الإمبريالية معاملاتها التجارية بكارتلات عقود واتفاقيات لتحديد الأسعار بين الشركات المنافسة، وظهر التشريع الاحتكاري للسلع والبضائع، وانتقلت من مرحلة المنافسة لمرحلة الاحتكار، تمثلت المرحلة باندماج الشركات الرأسمالية العملاقة مع البنوك الأكثر هيمنة وقوة ضمن نهج جديد وهو رأس المال المالي أو رأس المال الاحتكاري؛ وذلك لتعزيز موارد الاحتكار الرأس مالي وتقويته، بقي هذا النهج سائدًا حتى عام 1916 حين ظهر اتجاه رأسمالية الدولة واعتُقِدَ أنه سيكون الاتجاه المتّبع، إلا أنه حدثت استثناءات لا حصر لها في شرق آسيا وبالصين تحديدًا، إذ ظهرت مظاهر جديدة للاحتكار وأصبحت أوجه الاحتكار تعني الملكية للقطاع الخاص وبُنيَت هيمنة الاقتصاد على السوق العالمي السائدة مع وجود تضارب واضح بين الطبقة النافذة والحاكمة والطبقة العاملة، وتعددت الشركات التجارية إلا أن أغلبية الشركات مملوكة من جهة تجارية محددة كبرى بالرغم من فرض سيطرتها في أنحاء العالم.
التقسيم العالمي والاتجاه للحروب
مع إجراء التقسيم الإقليمي للعالم بين عامي 1876 و 1914 ظهرت دول ومناطق أكثر قوة وهيمنة من الناحية الاقتصادية ووجدت بعض الدول المضطهدة وبدأ التنافس الإقليمي على نطاق واسع لمجموعة من الدول، ثم نشأت الحرب بين عامي 1914 و1918 بعد التوسعة الإمبريالية وكان الصراع بين القوى العظمى، وظهرت أحزاب مختلفة آنذاك، ومن ثم انتكس الاقتصاد العالمي بعد عام 1918 وعاد للحصار والسياسات التمييزية، ومن ثم نمت التجارة بين عامي 1913 و1950 ونشأت حرب عالمية جديدة بسبب تصاعد الاشتباكات الإمبريالية.
الإمبرالية منذ عام 1950
التزمت الطبقات الرأسمالية في الدول المهيمنة بالتعاون الاقتصادي والنظام الدولي الجديد وكان الحلم في هذه الفترة عودة الازدهار والاستمرار بالإنتاج والتجارة والتدفق الحر دون تعرفة جمركية أو حروب تجارية، وفي خمسينيات وستينيات القرن الماضي انسحبت الرأسمالية من غزواتها الاستعمارية المباشرة وتحوّلت الإمبرالية الغربية لفكرة الحرية، واعترفت أنه يمكن تحقيق الاستغلال الاقتصادي دون الوجود الفعلي على أراضي الدول الأخرى، وعلى ما يبدو أصبحت الإمبرالية في هذه الفترة أكثر قوة وديمومة وتمتعت الولايات المتحدة الأمريكية بهيمنة اقتصادية قوية لا يمكن لأحد التغلّب عليها، وبين عامي 1950 و1973 لم تتمكن الرأسمالية من حل التناقضات الأساسية بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والتنافس بين الدول القومية، وخلال السبعينيات وأثناء الأزمة الاقتصادية بدأت نهاية فترة التعاون الغربي الجيوسياسي والاقتصادي السلمي وتم التحوّل إلى سياسات اقتصادية نيوليبرالية أكثر عدوانية.
ظهور العولمة
انخرطت الدولة في سنوات نمو الاقتصاد بالحياة الاقتصادية وأممّت قطاعات بأكملها لخلق الاستقرار ودعم الربحية للإمبرالية، وذلك بإتاحة الموارد وأجهزة البحث والتطوير بهدف تحقيق الربح للشركات الكبرى، واقتصر دور المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تمكين الرأسمالية الاحتكارية النيوليبرالية ليبسط الإمبرياليون سلطتهم على جميع أنحاء العالم، ومازالت الدول الإمبرالية كالولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا تستغل الأسواق الجديدة في العالم الاستعماري الجديد.