مساحة الصانع Maker Space كفرصة للتعلم الفعال
مقدمة
لقد أسهمت تكنولوجيا الاتصال والتعليم في إحداث تغيير كبير في جميع مناحي الحياة، وتعد تكنولوجيا التعليم أحد العلوم التربوية التي نمت وتطورت بشكل سريع في عصرنا الحديث كإحدى المداخل التي استخدمت لتطوير التعليم وتجويده، ومع تغير المجتمعات ظهرت أهداف تعليمية جديدة ومختلفة فرضت علينا إنتاج كفاءات جديدة يتم تصميمها خصيصا لتتناسب مع كفاءات عمل القرن الواحد والعشرين، وتعزيز تلك الكفاءات لا يتحقق إلا من خلال إيجاد نُظم تعليمية متطورة، تمثل الاتجاهات العالمية الحديثة، والتي تأتي أهميتها من خلال احتوائها على مجموعة من التقنيات والتطبيقات والأساليب التكنولوجية الحديثة التي تعمل على مساعدة الطلاب على تقديم أفضل ما لديهم من تعلم، سواء في المدرسة، أو في التعامل مع جوانب الحياة التي يعيشونها في الخارج، وتمكنهم من تطبيق المعرفة والمهارات في حل مشكلات الحياة الواقعية التي تواجههم (عيدروس ،2009). ومن أبرز تلك الاتجاهات الحديثة التي أسهمت في تغيير مفهوم وطرق التعلم والتعليم ما يسمى بـ Maker Space والتي تم الحديث عنها خلال اللقاء المشترك الذي عُقد يوم الأربعاء الموافق 22 مارس 2017 في الجامعة العربية المفتوحة بواسطة تقنية مؤتمرات الفيديو Video conferencing مع جامعة إنديانا بالولايات المتحدة الأمريكية و كان المتحدث الرئيسي للقاء الدكتور زهير خليف الذي تطرق في هذا اللقاء إلى مناقشة المحاور الآتية:
1- الاتجاهات العالمية في تكنولوجيا التعليم في عام 2017
أصبح تركيز الاتجاهات العالمية الحديثة لتكنولوجيا التعليم مُنصبا على الطالب، وبحسب ما يراه الباحثون فإن التكنولوجيا غيرت العالم في السنوات الماضية، حيث ظهرت مجموعة جديدة من النماذج والتقنيات التكنولوجية الاقتصادية، و أصبحت حياة الناس رهينة للتكنولوجيا، بدءا من البيت وانتهاء بالعمل، فأصبحت معها أحلام الخيال العلمي تتحقق من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي المتمثلة بإنترنت الأشياء،و أصبح الروبوت الآلي جُزءا من الحياة اليومية للمؤسسات والشركات الرائدة. ومع بدء العام 2017 شهد العالم توجها قويا نحو مجموعة من التقنيات، والتي باتت تمثل الاتجاهات العالمية المستخدمة في التعليم، ولعل أبرزها STEAM.
تقوم فلسفة سْتيم بدمجها لخمسة مجالات دراسية مختلفة و هي:
-العلوم Science
-التكنولوجيا Technology
-الهندسة Engineering
-الفنون والدراسات الإنسانية Arts
-الرياضيات
تقوم هذه الفلسفة على دمج التعليم وربطه بواقع الحياة عبر تقديم تجارب تعليمية ذات معنى ولها صلة بما يتعلمه الطالب، مما يسهم في تنمية التفكير الناقد ومهارة حل المشكلات لدى الطلبة (الدغيدي،2017)، كما شهد العالم كذلك اندفاعا نحو ساعة البرمجة وهي عبارة عن مقدمة في علوم الحاسب مدتها ساعة واحدة، تم إعدادها بهدف تسهيل تَعلُّم البرمجة وإثبات أن أي شخص يمكنه تَعلُّم أساسيات البرمجة، ومن أبرز تلك الاتجاهات التي ذكرها الباحث التعلم النشط، والفصل المقلوب، واستخدام المصادر التعليمية المفتوحة، والاهتمام بخصوصية الطالب، (وتعني الحفاظ على خصوصية الطالب في معلوماته الخاصة ومشاركته في الأبحاث وغيرها).
وأما فيما يتعلق ببعض الاتجاهات العالمية الحديثة لتكنولوجيا التعليم مثل ستيم وساعة البرمجة والروبوت الآلي و Maker Space فإن هناك ارتباطا وثيقا بينها، لأن مساحة الصانع Maker Space يمكنها الاستفادة من تطبيقات الرجل الآلي Robot وسْتيم STEAM وساعة البرمجة Hour of Code في تحقيق الأهداف التعليمية، كونها وسائل وأدوات يمكن استخدامها في التعلم داخل مساحة و بيئة Maker Space.
2- حركة الصانع Maker Movement و ظهور مفهوم Maker Space
رافق ظهور مفهوم Maker Space ظهور مفهوم آخر وهو حركة الصانع Maker Movement والتي تعود جذورها إلى ما قبل عام 2005 في أمريكا، حيث ظهر هذا المفهوم كتجمع لمجموعة من الهواة في تخصصات مختلفة كالمبرمجين والمهندسين والفنانين والمهتمين بالإلكترونيات، الذين تجمعهم غاية وهدف واحد وهو تصميم المشاريع لأهداف تعليمية مفيدة أو بغرض الترفيه من خلال إنشاء مساحة داخل الجامعة، كتجمع يضم جميع الموهوبين بغرض صناعة المشاريع التي تحتاجها الجامعة، و التي تتكلف بتوفير كافة التكاليف اللازمة للعمل، ليتم إنتاج مجموعة من الكائنات والموضوعات التي تهم الطلبة في كافة التخصصات.
و عن درجة انتشارها فقد حصلت حركة الصانع Maker Movement على الكثير من الاهتمام مؤخرا في الولايات المتحدة، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما: “أناشد الناس في جميع أنحاء البلاد الانضمام إلينا في إثارة الإبداع وتشجيع الاختراع في مجتمعاتهم” (البيت الأبيض، 2014)، والآن يتم توجيه عشرات الآلاف من الأطفال والبالغين والأسر إلى التكنولوجيات الجديدة المثيرة، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بمساحة الصانع.
وبحسب ما يرى الباحثان Halverson&Sheridan (2014) فإن حركة الصانع تشير بشكل عام إلى العدد المتزايد من الناس الذين يشاركون في الإنتاج الإبداعي من التحف في حياتهم اليومية و الذين يجدون المنتديات المادية والرقمية لتبادل العمليات والمنتجات مع الآخرين.
تقوم حركة الصانع باستخدام أدوات رقمية، و تعتمد ثقافة تبادل التصاميم والحصول على تغذية راجعة والتعاون واستخدام المعايير المشتركة للتصميم بين المصممين.
أما المبادئ الأساسية التي تقوم عليها حركة الصانع Maker Movement و التي ذكرها (hatch ،2013) فهي : التطبيق والدعم والتغيير والتعلم والمشاركة والتفاعل والتعاون، بحيث تشكل هذه المبادئ مهارات القرن الحادي والعشرين التي يجب أن تتصف بها مجتمعات الممارسة.
أما أهم عناصر Maker Movement التي لا بد من توفرها فهي:
– الأدوات الرقمية: و هي الأدوات الرقمية المادية كاستخدام الطابعات الرقمية، وأدوات القطع الإلكتروني والتي ترتبط ببرنامج يقوم الطلبة فيه بتصميم الكائنات التي يريدونها وطباعتها عبر طابعة ثلاثية الأبعاد.
– البنية التحتية للمجتمع: و هي مهمة لتبادل المعرفة والحصول على المصادر المفتوحة و على التغذية الراجعة.
– العنصر البشري: وجود العقل البشري الممارس داخل البيئة وتوجهه للتطور من خلال الالتقاء مع أشخاص لهم نفس الهدف والطموح.
– الفشل الإيجابي: الذي يدفع صاحبه لاستغلال نقاط الضف في التصحيح وتطوير المهارات.
أما أهم المكونات التي تتكون منها حركة الصانع (و التي تتفق مع ما قاله الباحثان Halverson&Sheridan 2014) فهي وجود:
– مجتمعات الممارسة.
– مجموعة الأنشطة الموجهة لخدمة أهداف تعليمية مسبقة، وربط المعلومات من المدرسة بالواقع.
– هوايات للممارسة.
وعن أهمية المساحات التي توجد في هذه الفصول فإن (2014 Davis ) ترى أن حركة الصانع هي أفضل طريقة لتنشيط الفصل الدراسي، فهذه الفصول الدراسية تشجع على الإبداع والابتكار، مما يؤدي إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على التعليم، ويصبح الطلاب متعلمين مشاركين مع المعلمين.
ويرى Halverson& Sheridan (2014) أن صنع مجموعة من الأنشطة التي يمكن تصميمها ضمن مجموعة متنوعة من أهداف التعلم يمكن أن يحدث في مجموعة متنوعة من الأماكن التي تسمى Maker Space كالفصول الدراسية والمتاحف والمكتبات والاستوديوهات والمنازل، أو المخازن والمستودعات، ومن هنا عرج الدكتور الباحث زهير إلى المحور الثالث في المحاضرة وهو الحديث عن Maker Space.
3- مفهوم Maker Space
بحسب ما يراه الباحثون فإن Maker Space مصطلح تم تداوله لأول مرة سنة 2005 عبر مجلة Make Magazine و لم يحقق هذا المفهوم في ذلك الوقت أي شعبية حتى أوائل العام 2011 عندما تم افتتاح موقع makerspace.com في إشارة إلى استخدام هذا المفهوم للأماكن التي يسهل الوصول إليها للقيام بالتصميم والإنتاج، حيث يرتبط هذا المفهوم بإتاحة الفرصة لمجتمع الممارسة للاستكشاف وتعلم كيفية استخدام الأدوات والمواد والعمل على تطوير مشاريعهم الإبداعية، باعتباره بيئة آمنة تمثل ورشا للإنتاج الإبداعي أو مكانا يتجمع فيه الطلاب لتبادل الموارد والمعرفة خلال العمل على المشاريع، و بحسب ما قاله الباحث الدكتور زهير فإن Maker Space عبارة عن بيئة للتعلم الذاتي و تطوير الذات عبر العمل الجماعي، ومكان أساسي للتجارب التكنولوجية وتطوير النماذج والأفكار وحل المشكلات، و قد أصبح يُنظر له كطريقة حديثة لإشراك المتعلمين في الإبداع وفي مهارات حل المشكلات من خلال التدريب العملي والإنتاج والتكرار في التطوير.( EDUCAUSE.(2013
4- الفلسفة التي يقوم عليها Maker Space
يقوم مفهوم Maker Space على فلسفة إرساء عقلية الشراكة المجتمعية والتعاون والإبداع كإطار توجيهي للبرامج والخدمات المقدمة من خلال توفيره لبيئة آمنة ومساحة تسمح لمجتمع الممارسين بتبادل المواد وتعلم مهارات جديدة و التركيز على إشراك المشاركين في محتوى التعلم، وهي وسيلة من شأنها أن تسمح للمدارس بأن تكون جزءا من العودة اللازمة للتعليم البنائي والسماح للطلاب أن يكونوا مبدعين. (Halverson& Sheridan 2014)
كما يستند Maker Space حسب الباحثين (2016 Sverko& Roffey& Therien) إلى أيديولوجية تقوم على نهج بنائي في التعليم، كما قدمها جان بياجيه، باعتبار أن الهدف الأساسي من البنائية هو أن يستطيع المتعلمون خلق معارفهم الخاصة من خلال الخلق والتفاعل مع الأشياء المادية، كما أن لها (أي البنائية) صلات واضحة بمحو الأمية الإعلامية، فضلا عن التعلم الذاتي الذي يمكن اكتسابه من التعلم الجماعي بحسب تأكيد الدكتور زهير.
5- أنواع و مكونات Maker Space
تتكون بيئة Maker Space من:
- بيئة الصانع التلقليدية: المواد التي يعمل عليها أفراد مجتمع الممارسة تتكون فقط من مواد تقليدية يدوية.
- بيئة الصانع الإلكترونية: يقوم مجتمع الممارسة بالتعلم والإنتاج عبر استخدام مواد رقمية فقط.
- بيئة الصانع المختلطة: و هي الأنسب للعمل والإنتاج والأكثر انتشارا.
وأما أدوات ومكونات Maker Space فهي:
-المكان المناسب، حيث من الضروري وجود مساحة ومكان يتجمع فيها أفراد مجتمع الممارسة للعمل والتشارك وتبادل الخبرات.
-أدوات للعمل على الخشب والمعادن والإلكترونيات.
– أجهزة الكمبيوتر.
-أدوات الطباعة ثلاثية الأبعاد.
-أداة لتعليق الملابس التي يتم تصميمها.
-أجهزة الليزر المستخدمة للقص.
كل هذه المكونات وغيرها تساعد المتعلمين على الإنتاج والإبداع في بيئة Maker Space ، وقد أشار الباحثان (Dougherty, Dale& Griffith, Saul 2013) إلى أن بيئة Maker Space لا بد أن يتوفر على:
-شبكة اتصال: حيث يعتبر الحصول على شبكة مفتوحة وتعاونية أمرا أساسيا لتبادل الأفكار والقيام بأفضل الممارسات.
-مكتبة للمشاريع.
-مختبر التعلم: لتقديم أفضل الطرق للمتعلمين للاكتشاف والوصول إلى المحتوى ذي الصلة بالمشروع، والتدريب والدعم على كيفية التشغيل والبدء بالمشروع و إشراك الطلاب في المشاريع وتوفير الأدوات اللازمة لاستكمال مشاريع بناء المهارات مثل الكراسي البسيطة، إضافة إلى الطابعات ثلاثية الأبعاد 3D وغيرها من الوحدات المادية الأخرى.
و تقوم عملية التصميم في بيئة Maker Space على عدة خطوات تتلخص في: اسأل، تخيل، خطط أنشئ، طور. ومن هنا انطلق الحديث عن مصطلح Design Thinking.
6- تصميم التفكير Design وعلاقته ب Maker Space
يعتبر التفكير الإبداعي وأسلوب حل المشكلات بطريقة مبتكرة من أهم أهداف التعليم في القرن الحادي والعشرين، ولهذا ظهرت الاتجاهات العالمية الحديثة لتحقيق هذه الرؤية، وتشكل Maker Space بيئة خصبة لتوليد وخلق التفكير الإبداعي لحل المشكلات لدى مجتمع الممارسة، حيث يتكون تصميم التفكير الناقد في هذه البيئة من مجموعة من الخطوات، وهي بحسب ما أورده الباحث:
-تحديد المشكلة.
-توليد الأفكار.
-فحص الأفكار.
-التكرار والتنفيذ.
يقول الباحثون ( 2016 Sverko& Roffey& Therien) أن التفكير التصميمي وُضع بكل بساطة، كوسيلة لحل المشكلة وأن المعلمين بحاجة إلى توسيع فهمهم للطلبة من خلال السماح لهم بالمراجعة المستمرة لتصميمهم، وأن التفكير التصميمي هو العنصر الحاسم في هذا الأمر باعتبار أن عملية التفكير هذه هي الدليل الحقيقي على الإبداع والتطبيق وحل المشكلات باستخدام ما يعرفه الطالب.
7- أهمية Maker Space
إن الفكرة الأساسية من استخدام Maker Space هي تطوير مهارات القرن الواحد والعشرين، حيث تظهر أهميته من خلال توظيفه للتكنولوجيا في الإنتاج والإبداع في تلك المساحة التي يوفرها للمتعلمين. كما يشكل استخدامه أهمية كبرى نظرا للفوائد الجمة التي تتحقق من خلاله، فهو يساعد على توفير بيئة مفتوحة للتعبير الإبداعي والكتابي، ويسمح للمتعلمين بالوصول بسهولة للأدوات والوسائل التكنولوجية اللازمة لتطوير المشاريع والأفكار، التي لا يمكنهم الوصول إليها وحدهم نظرا لتكلفتها العالية، كما أنه يساعد على إيجاد بيئة تعليمية فعالة لتنمية مهارات الطلبة وتحويلهم من مجرد مستهلكين ومتلقين للمعلومة إلى طلاب أكثر فاعلية وإنتاجا، كما أشار الباحث إلى أن Maker Space يسهل العمل التعاوني بين الطلبة ويدفعهم لتبادل المعرفة والمصادر، كما تعد بيئة Maker Space بيئة خصبة لتوفير فرص التعلم المتمركز حول الطالب، كما أنها تساهم في توفير خبرة تعليمية مرتبطة بالواقع، من خلال العمل على مشاريع حقيقية تسهم في تهيئة الطالب للمستقبل من خلال إكسابه العديد من المهارات والمعارف التي تعمل على مراعاة الفروق الفردية والاختلاف في الذكاءات المتعددة.
كما أنها بيئة مناسبة لإشراك المجتمع من جميع الأعمار في التعلم، وعامل مساعد في تغيير النظام التقليدي الذي باتت تسعى إليه الأنظمة التعليمية في مختلف دول العالم. و هي أيضا بيئة تساعد على إلهام الطلبة كي يكونوا متعلمين بالمشاركة والكشف عن مواهبهم واحتياجاتهم واهتماماتهم من خلال الإنتاج وحل المشكلات والتعاون والتفكير، كما أنها تساعد المتعلمين على التحكم بطريقة تعلمهم وبالمهارات التي سيقومون بتطويرها.
وقد أشار الباحثون (Dougherty, Dale& Griffith, Saul 2013) إلى أهمية Maker Space في التعلم لكونه يضطلع بدور مهم في تعزيز إحساس الطالب بالتنمية الشخصية و تطوير السياقات التعليمية، ودعم الاكتشاف.
8-استخدام Maker Space في المؤسسات التعليمية
بحسب (EDUCAUSE 2013) فإن هذا المفهوم ظهر كقوة تعلم في المجتمع غير الأكاديمي كمساحات ديناميكية أسسها أعضاء تربطهم خصائص تفكير موحدة، تضمنت قيامهم بتعديلات إلكترونية على الآلات الموسيقية والروبوتات المصغرة ومفاعل وقود الديزل الحيوي والسيارة الكهربائية في أماكن وساحات خاصة تجمعهم، وقد سارعت الكليات والجامعات بعدها أيضا إلى التعرف على قيمة فضاء الصناع كفرصة للتعلم، و من أمثلة ذلك إنشاء مختبر التفكير في جامعة ماري بواشنطن، ومقر جامعة روتجرز، ومختبر فاب في جامعة ستانفورد.
و في جامعة كيس ويسترن ريزيرف، يعتبر مركز “مربع التفكير الحالي” من الأهمية بمكان، حيث قامت الجامعة بأعمال توسعة لمبنى مكون من 7 طوابق بمساحة 50،000 قدم مربع، حيث يقوم الطلاب بالتطريز واللحام والنحت أو تصميم وتصنيع المشاريع الإبداعية الأخرى. كما يمكن للطلاب التقدم بطلب للحصول على تمويل المشروع في Maker Spaceحيث يتم تشجيع المشاريع متعددة التخصصات.
ثم أخذ Maker Space في الانتشار في المدارس عبر ظهور اتجاهات تعليمية حديثة تعتمد هذا المفهوم كنظام STEAM التعليمي القائم على البحث والتفكير وحل المشكلات والتعلم من خلال المشروعات، نظام يمكن للطالب من خلاله تطبيق ما يتعلمه في العلوم والرياضيات والهندسة باستخدام التكنولوجيا، وهو نظام يمكن تحقيقه في بيئة Maker Space التعليمية، علما أن استخدام Maker Space في الجامعات والمدارس بات أمرا رائجا اليوم خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لتعزيز مفهوم (اصنعه بنفسك) كما جاء في الورقة التي أعدتها الباحثة الخليفة (2016) أستاذة تقنية المعلومات بكلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الملك سعود، وهي ورقة علمية تحت عنوان (مساحة الصنّاع) Maker Space في التعليم، وتأكيدها على حرص العديد من الدول على توفير مساحة الصانع، التي تعتبر بيئة اجتماعية للتعلم المشترك، يكون الهدف منها التعلم والمتعة وتطوير الذات من خلال توفير عدد كبير من الأدوات والتجهيزات الضرورية.
و قد بدأ هذا النهج يتطور عبر استخدامه في العديد من المكتبات الجامعية والمدرسية باعتبارها مساحة للصانع، و منه الفكرة التي اعتمدها 3 طلاب يدرسون في جامعة ويسكونسون- ماديسون في كلية المكتبات في الدراسات العليا، حيث استطاعوا إطلاق مشروع ابتكاري أطلقوا عليها اسم (المكتبة كحاضنة)، و كبيئة للتعلم التعاوني، يأتي إليها الناس لتبادل المواد وتعلم مهارات جديدة وليس بالضرورة إنتاج مواد محددة، عبر توفير مساحة للعمل ومواد العمل اللازمة، ومجموعات من المواد الملهمة والعملية، التي تدعم العمل التعاوني وتساعد على تعلم كيفية استخدام الأدوات والمواد، وتطوير المشاريع الإبداعية. (حايك 2016).
وتؤكد منظمة (EDUCAUSE 2013) -وهي جمعية غير ربحية أُنشِئَتْ لدعم تكنولوجيا المعلومات والاستفادة منها في التعليم- أن فكرة Maker Spaces في توفير مساحة لتصميم المشاريع والبناء قد انتشرت في التعليم، و أصبحت فضاء مناسبا للتعلم غير الرسمي المعتمد على المشاريع والموجه ذاتيا.
9- إمكانية تطبيق Maker Space في الوطن العربي
على الرغم من أن مفهوم Maker Space هو مفهوم حديث إلا أن الباحث يؤكد على أنه كان مطبقا في الوطن العربي، لكن بصورة مختلفة ومبسطة عبر توظيف المعلمين المواد الخام الموجودة في البيئة المحلية والمدرسية لإنجاز وعمل مشاريع مدرسية ذات صلة بمواد العلوم والدراسات الاجتماعية والرياضيات، لكن دون وجود مساحة خاصة ومصممة للعمل وفق بيئة Maker Space، لكن الأمر رغم ذلك تعترضه صعوبات كثيرة، نظرا لعدم وجود أفق واضح تجاه هذه الثقافة الجديدة وعدم وجود خُطط تطويرية تتعلق بتوفير حيز مكاني مزود بأحدث المعدات ووسائل العمل لدعم التعلم التشاركي، إضافة إلى وجود عوائق تتعلق بالأطر التي تحتاج إلى تدريب للتعامل مع هذا النهج إضافة إلى المناهج الموجودة والتي لا تتناسب مع هذا النهج نظرا لاعتمادها على الحشو والتلقين بعيدا عن التحفيز والعمل الإبداعي كما أنه من الصعوبة تطبيق بيئة Maker Spaces في تلك المدارس نظرا لعدم وجود بنية تحتية مؤهلة ومزودة بأحدث وسائل الاتصال بشبكة الإنترنت وصغر مساحة الأبنية وافتقارها للمواد التكنولوجية كالطابعات الرقمية ثلاثية الأبعاد وتكلفتها المرتفعة على المدرسة، كما يشكل غياب وعي الطلبة التعامل مع هكذا نظام يعتمد على التشارك والتعاون في الإنجاز والإبداع نظرا لتعودهم على الأسلوب التقليدي الذي يعتمده المعلمون معهم.
لكن بالمقابل يمكن تطبيقه في المدارس الدولية والثنائية اللغة الخاصة الكبرى والتي يرجع فيها المعلمون إلى بيئات وجنسيات مختلفة وتطبق فيها مناهج دولية كالمنهج الأمريكي والبريطاني ومناهج المواد العربية الحرة التي لا تدخل فيها المناهج الحكومية نظرا للإمكانات المادية وتوفر المساحة والأركان الكافية لوجود مجتمع الممارسة فيها والمزودة بكامل المعدات والمواد التكنولوجية الحديثة وبشبكات الاتصال فائقة السرعة ونظرا لانفتاح عقلية القيادة التربوية فيها على المستجدات والمستحدثات التكنولوجية والتعليمية في العالم والتي تؤمن بضرورة مواكبتها ووجود طلبة من أسر ميسورة تمتلك أحدث الأجهزة التكنولوجية فتستطيع التعامل مع تلك الوسائل و مع قليل من التدريب يستطيع المعلمون فيها تجاوز العقبات التي تقف أما التعامل مع بيئة Maker Spaces يمكن أن تكون بيئة العمل في Maker Spaces محفزة لهم على الإنجاز والإبداع وبالتالي تخريج جيل قادر على التفكير الناقد والثاقب وعلى حل مشكلاته بطريقة مبتكرة.
10- التحديات التي تواجه استخدام Maker Spaces
استخدام Maker Spaces في المؤسسات التعليمية المختلفة يستلزم وجود قناعات فكرية تؤمن بالتطور والتغيير وتتقبل التحديات التي يمكن أن يواجهها تطبيق أي فكرة حديثة داخل المؤسسة التعليمية أو مؤسسات صنع القرار المسؤولة عن تلك المؤسسات.
و يشكل غياب الخطط الواضحة و الرؤى الضبابية لدى القائمين على المؤسسات التعليمية تجاه الاتجاهات العالمية الحديثة في تكنولوجيا التعليم ومنها Maker Spaces عائقا أمام تطبيق هذه البيئة، إضافة إلى غياب الوعي المجتمعي والتقصير الإعلامي.
كما تواجه Maker Spaces عوائق مادية تتعلق بالبنى التحتية المتمثلة بعدم وجود مساحة الصانع التي يستخدمها مجتمع الممارسة والافتقار لشبكات الاتصال (الإنترنت) وعدم وجود أطر فنية وتقنية توكل إليها مهمات التدخل والصيانة في حالات الطوارئ، ناهيك عن افتقار المعلمين والطلبة للتدريب على هذا النهج، كما أن السلامة والحماية داخل مساحة الصانع تشكل تحديا للمؤسسات التعليمية.
وش اسوي