ما المقصود بالأمن الاقتصادي؟
تُعرِّف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأمن الاقتصادي بأنه قدرة الأشخاص والأسر والمجتمعات على تغطية حاجاتهم الأساسية باستدامة مع الحفاظ على كرامتهم أثناء ذلك، وهذا التعريف قد يختلف في جوهره تبعًا لحاجات الأفراد والبيئات المحيطة بهم، بالإضافة إلى الحاجة للحفاظ على المعايير الثقافية الرائجة فيها، وقد يشمل التعريف كلًا من؛ الطعام، والمسكن، والملابس، والنظافة الشخصية أو العامة، وكل من الممتلكات المطلوبة لكسب العيش، والتكاليف المرتبطة بالرعاية الصحية والتعليم.
ويرتبط مفهوم الأمن الاقتصادي بمفهوم الضمان الاجتماعي، فهما متشابهان جدًا في تعريفهما المتعلق بتمتع الفرد ببنية تحتية أساسية كالتعليم والصحة والأمور المتعلقة بالعمل، ويمكن تقسيم مفهوم الأمن الاقتصادي إلى سبعة مفاهيم جانبية كالآتي:
- أمن الدخل: وهو استحقاق وتوقع دخل مُرضٍ؛ إما عن طريق كسبه بالعمل أو على شكل ضمان اجتماعي.
- أمن التمثيل الفردي والجماعي: وهو حق الأشخاص والمجموعات المكتسب بالقانون، والمتمثل بأحقيتهم في المشاركة بالمنظمات، أو أن تكون لهم هيئة ممثلة لهم تطالب بحقوقهم وتهتم بآرائهم وتطرح مشاكلهم.
- أمن سوق العمل: يتمثل هذا الأمن بتوافر الفرص والأنشطة التي تسمح بكسب الدخل الكافي من خلالها.
- الأمن الوظيفي: وهو الحماية من خسارة الفرد لمصدر رزقه.
- أمن العمل: وجود منافذ في المنظمات أو سوق العمل تسمح للفرد بالتحكم في طبيعة العمل وبناء مسار مهني.
- أمن بيئة العمل: وهو أن توفر المنظمات بيئات آمنة للعمل فيها.
- أمن مهارة العمل: إمكانية وصول العمال إلى التعليم الأساسي والتدريب المهني، بهدف تطوير القدرات واكتساب المؤهلات المطلوبة للمهن ذات القيمة الاجتماعية والاقتصادية.
كيف يمكن تحقيق الأمن الاقتصادي؟
لقد كان تحقيق الأمن الاقتصادي أحد أهم الإنجازات التي استطاعت بعض الدول في العالم تحقيقها في القرن الماضي، مع تفاوت هذا الإنجاز بين الدول المختلفة، فيمكنك أن تلاحظ بأن معدل البطالة يصل في الولايات المتحدة إلى 24%، بينما يصل إلى 12% في السويد والنرويج وإلى 19% في كندا، وفي إحصائية أخرى تلاحظ بأن ما يقارب 20% من سكان إيطاليا والبرتغال يعانون من مشاكل في دفع الإيجار وشراء الأدوية الأساسية، بينما تصل هذه النسبة إلى 5% في السويد.
وتعد رفاهية الدولة المتمثلة ببرامج اجتماعية عامة وواسعة وسخية، وارتفاع معدل التوظيف من أهم العوامل التي تساهم في نجاح تحقيق الأمن الاقتصادي، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟، وكيف يمكن جذب الكثير من الأشخاص إلى العمل مدفوع الأجر، مع توفر مزايا سخية جدًا لمن لا يستطيع العمل في نفس الوقت؟، إن هذا الأمر ليس مستحيلًا إن أشركت الكثيرين بخدمات هادفة للعمل؛ مثل التعليم المبكر، وتقليل تكاليف الدراسة الجامعية، وتوفير خدمات التوظيف والتدريب، وتشجيع التعليم المستمر، والتقليل من التنظيمات المفروضة على أصحاب العمل أو المنتجات، وهذا ما يمكنك ملاحظته بشدة في بعض الدول؛ مثل؛ الدنمارك، والسويد، والنرويج، وفنلندا، ولهذا فهي الدول الأفضل في تحقيق الأمن الاقتصادي.
ما معيقات تحقيق الأمن الاقتصادي؟
تعرّض العالم للعديد من الأحداث التي هددت الأمن الاقتصادي وأعاقت تحقيقه، فعلى سبيل المثال الحروب، كالحرب العالمية الثانية التي أنهكت الاقتصادات وقللت نسبة الرفاه والأمن، وهنالك أيضًا الأزمات الاقتصادية كالكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي، ومع ذلك ما زال العالم حاليًا ينخرط بأفعال قد تؤدي إلى اضمحلال الأمن الاقتصادي كالحروب التجارية التي يمارسها الغرب والتي قد تؤدي في النهاية إلى حروب عسكرية، كما أدت أزمة الاقتصاد في عام 2008 إلى ضرر بعض الشركات وحاجتها إلى نقل مصانعها من الغرب إلى الشرق، أما حاليًا فقد ظهرت ثلاث تحديات جديدة مؤثرة بشدة على تحقيق الأمن الاقتصادي وهي:
- التغير المناخي: سوف يؤدي التغير المناخي إلى عواقب جيوسياسية طويلة المدى، خصوصًا في المناطق التي تعاني من نقص في الماء الصالح للشرب، وفي المناطق الساحلية أو الاستوائية التي بدأت تعاني بالفعل من ارتفاع مستوى سطح البحر، وبالرغم من ذلك سوف تنعم بعض الدول القريبة من الأقطاب بزيادة في الدخل وزيادة فترة المواسم الزراعية، وزيادة الوصول إلى المعادن والمواد الهيدروكربونية، وهذا لا يعني بأن التأثير سوف يدوم بل سوف يكون مؤقتًا، وأن على العالم تطوير استراتيجية هادفة لمقاومة هذا التحدي وخطره على الأمن الاقتصادي.
- الذكاء الاصطناعي: أحدثَ الذكاء الاصطناعي اضطرابًا في سوق العمل، باستبدال العمالة بالأجهزة والآليات المؤتمتة، وهنالك أثر سلبي للذكاء الاصطناعي على الأمن عمومًا، فكما ترى بدأت الولايات المتحدة والصين في السباق نحو الهيمنة التكنولوجية والوصول إلى المعلومات، مما يزيد حدّة الجانب الدفاعي بينهما وبالتالي إضعاف تحقيق الأمن الاقتصادي.
- الثورة النقدية: وهي تحول العالم من الاعتماد على المال النقدي إلى المال الرقمي، فعلى سبيل المثال أحدثت العملة الرقمية بيتكوين Bitcoin اضطرابات في السوق، ويُتوقَّع أن تُغيِّر هذه العملة العلاقات المالية التي تقوم عليها المجتمعات الصناعية الحديثة، وهذا أمر سوف يحدث اضطرابًا سياسيًا أيضًا، فتعتمد العديد من الحكومات على النقد كنوع من السلطة، مما سيدفعها للبحث عن طرق أخرى لفرض سلطتها على العالم أو على سكانها.
- تحديات أخرى: ومع أن التحديات السابقة هي تحديات وصعوبات عامة في وجه تحقيق الأمن الاقتصادي إلا أن هذه التحديات تختلف من دولة لأخرى، باختلاف الوضع الاقتصادي فيها والمشاكل التي تعاني منها، فعلى سبيل المثال تعاني روسيا من تحديات أخرى مثل أزمة نظام إعادة إنتاج رأس المال البشري، فرأس المال البشري في روسيا مرتبط بعدد السكان ونوعيتهم، أي عددهم وصحتهم، وقد تبيّن أن السكان في روسيا يهاجرون خوفًا من بعض الأمراض وبسبب عوامل اجتماعية أخرى، كما أن التحديات التي تواجهها روسيا أيضًا هي زيادة الفقر وتمايز الملكية بين السكان، وتدني القدرة التنافسية للمؤسسات المحلية، بالإضافة إلى انتشار اقتصاد الظل وانتشار الإجرام والفساد في الدولة.
وش أسوي