معلم رقمي لبيئة تعليمة رقمية
يحظى التعليم باهتمام بالغ في كثير من الدول المتقدمة والتي تسعى وبصورة مستمرة لتطوير نظمها التعليمية بما يتواكب مع المتغيرات المعاصرة والتطورات المتسارعة، إيمانًا منها بالدور الذي يقوم به التعليم في تحقيق التنمية المستدامة. وتعد المملكة العربية السعودية إحدى الدول التي وفرت كافة سبل الدعم لقطاع التعليم ويتجلى ذلك من خلال العديد من الإجراءات التي اتخذتها لتطوير آليات التعليم ومناهجه وإطلاق العديد من المبادرات الهامة نحو التحول إلى التعليم الرقمي بما يتوافق مع البرنامج الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030.
ومن أبرز توجهات المملكة نحو العمل على تحويل البيئات التعليمية التقليدية في مدارس التعليم العام إلى بيئة تعليمية تفاعلية رقمية مشروع بوابة المستقبل الذي أطلقته وزارة التعليم على ثلاث مراحل، بدأت المرحلة الأولى في أكتوبر عام 2017 وشمل 310 مدرسة، وكانت انطلاقة المرحلة الثانية في 2018 وشملت 1839 مدرسة، أما المرحلة الثالثة والأخيرة بدأت في 2019 ومن المقرر أن تنتهي في 2020 ويشمل تطبيق مشروع بوابة المستقبل في هذه المرحلة على جميع المدارس في المملكة العربية السعودية.
ويهدف مشروع بوابة المستقبل إلى تطوير العملية التعليمية والانتقال بها من طابعها الورقي التقليدي إلى التعليم الإلكتروني الرقمي؛ لخلق بيئة تعليمية ممتعة يتم من خلالها تنمية العديد من المهارات كمهارات التواصل والاتصال بين الطلاب مع بعضهم البعض من جهة وبين الطلاب مع معلميهم من جهة أخرى، ويهدف كذلك إلى استمرار العملية التعليمية خارج أسوار المدرسة مما يعزز من التعليم المستمر واعتماد الطلاب على أنفسهم وبالتالي دعم التعلم الذاتي والذي بدوره يفتح أمامهم الكثير من الخيارات التي ينتقون منها ما يتناسب مع قدراتهم، كما يتيح التعليم الرقمي الفرص لدى الطلاب لاكتشاف ميولهم وتوجهاتهم لسوق العمل مستقبلًا.
وتتطلب البيئات التعليمية الرقمية كالمدارس المطبقة لمشروع بوابة المستقبل كوادر من المعلمين المؤهلين لتفعيل البوابة واستخدام أدواتها بمهنية عالية، وبالتالي الإسهام في نجاح المشروع، حيث يتطلب ذلك تفاعل المعلم في غرف النقاش مع طلابه، وحل الواجبات والاختبارات إلكترونيًا، ومتابعه الطلاب وأنشطتهم التعليمية المختلفة بصورة تفاعلية دورية، وتحديث تقييم نتائج الطلاب بصورة مستمرة، مما يسهم في تنمية العديد من المهارات لدى الطلاب وتحقيق الغايات التي تهدف إليها البيئات التعليمية الرقمية والتي تسعى الوزارة إلى تحقيقها من خلال مشروع بوابة المستقبل.
وكانت بوابة المستقبل واحدة من الخيارات التي استعانت بها وزارة التعليم لاستمرار العملية التعليمية في ظل قرار تعليق الدراسة والذي جاء ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة جائحة كورونا، حيث أثبتت بوابة المستقبل جدواها وفاعليتها وفقًا للتقارير الدورية الصادرة من إدارات التعليم في المملكة والتي كشفت عن نسب إنجاز المدارس المطبقة لمشروع بوابة المستقبل والتي تعتمد على نسب دخول المعلمين والطلاب وتفاعلهم مع بوابة المستقبل وأدواتها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كشف التقرير الدوري الأسبوعي الأخير في الفترة من تاريخ 5-4-2020 إلى 11-4-2020 والصادر من إدارة تعليم الخرج عن تحقيق أعلى نسبة دخول للمعلمين والطلاب حيث بلغ متوسط نسبة دخول المعلمين 98.9%، بينما بلغ متوسط نسبة دخول الطلاب 88.9%. وتعطي هذه الأرقام مؤشرا جيدا لفاعلية مشروع بوابة المستقبل في استمرار العملية التعليمية، كما لُوحظ في التقرير على أن هناك علاقة طردية بين نسب دخول المعلم والطلاب، حيث يتوقف دخول الطلاب على مدى تفاعل المعلم واستخدامه لأدوات بوابة المستقبل بصورة مستمرة وهذا ما يؤكد على أهمية إعداد المعلم رقميا ليسهم في نجاح المشاريع التي تطلقها وزارة التعليم لتحول نحو التعليم الرقمي.
ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية إعداد المعلم الرقمي وتهيئته للتعامل مع البيئات التعليمية الرقمية، حيث تتطلب معلمًا رقميًا يكون ملمًا بمستحدثات التكنولوجيا وتطبيقاتها المختلفة، ومطلعا على كل ما هو جديد في عالم تقنيات التعليم الحديثة، ولدية القدرة على التعامل مع الفصول الافتراضية، كما يجب أن يكون المعلم الرقمي ملمًا بوسائل التقويم الإلكتروني، وكيفية التعامل مع المقررات الإلكترونية وما تحويه من وسائط تفاعلية والتي بدورها تسهم في إثراء البيئة الرقمية بصورة مشوقة ومتناسبة مع ميول واتجاهات الطلاب وأنماط تعلمهم المختلفة. كما تتطلب البيئة الرقمية معلمًا يملك مهارة القدرة على نقل المعرفة من خلال الوسائط الإلكترونية واستيعابها من قبل طلابه، وعرض المحتوى الرقمي للمادة العلمية بطرق واستراتيجيات عصرية مناسبة للفئة المستهدفة من المتعلمين، لخلق المزيد من الفرص للطلاب نحو الابتكار والإبداع في الأنشطة التعليمية. وقد نفذت وزارة التعليم العديد من البرامج التدريبية لإعداد المعلمين وتأهيل الطلاب المعلمين في كليات التربية لإكسابهم مهارات التعامل مع تقنيات التعليم ومستحدثات التكنولوجيا المختلفة للرفع من كفاءتهم ومستوى أدائهم نحو التعليم الرقمي.
ونظرًا لأهمية إعداد المعلم الرقمي عُقدت العديد من المؤتمرات والملتقيات التربوية كمؤتمر “التعليم والمستقبل” والذي نظمته جمعية المعلمين بالشارقة حيث ناقش مفهوم المعلم الرقمي والذي أكد فيه التربويون إلى الحاجة الماسة للمعلم الرقمي في ظل الثورة المعلوماتية والتقدم العلمي والتكنولوجي سعيًا لتحقيق رؤى التطوير وبناء المستقبل. كما أوصى مؤتمر جامعه سوهاج الدولي “المعلم ومتطلبات العصر الرقمي” إلى ضرورة تضمين شهادة المعلم الرقمي كأحد المعايير لممارسة مهنة التدريس، وتدريب المعلمين على التعامل مع متطلبات العصر الرقمي. كما نظمت جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن الملتقى التربوي “معلم العصر الرقمي” والذي تم من خلاله تدشين جائزة المعلمة الرقمية، وتميز هذا الملتقى بمواكبته لمستحدثات التقنية في التعليم وتفعيل الشراكة بين كلية التربية والمؤسسات التعليمية والعمل الحثيث لدمج التقنية في التعليم بما يتواكب مع تطلعات رؤية المملكة 2030 لإعداد معلم رقمي لبيئة تعليمية رقمية.
وش اسوي