تعريف السر المهني

هناك العديد من المِهن التي يغلبُ عليها طابعُها المهنيّ عدم إفشاء الأسرار الخاصّة بها تحت طائلة المسؤوليّة القانونيّة، ومن الأمثلة على هذه المهن: مهنة الطب والقانون وعلم النفس والصحافة والدين، ويُمكن أن يُعرّف السر المهني -والذي يُدعى بالإنجليزية Confidentiality- حسب رأي المنظمة الدولية للتوحيد القياسي على أنّه: “ضمان أن تكونَ المعلومات متاحة فقط لأولئك الذين يؤذن لهم بالاطلاع”، ويجب على أصحاب هؤلاء المهن الأخذ بعين الاعتبار أنَّ هذه الأسرار هي من حق أصحابها ولا يُمكن إفشاؤها تحت أيّ ظرف، ونظرًا لأنَّ هذه الأسرار مهمة جدًا وتعدّ أمرًا جديًّا لا يُمكن التهاون فيه، رتّب القانون عقوبات تأديبية على من يزعم بإفشائها دون سند قانوني، وفي هذا المقال توضيح حول شروط السر المهني، والطبيعة القانونية للسر المهني، والحماية الجزائية للأسرار المهنية، والسرية الطبية في القانون.

شروط السر المهني

قد لا يَعرف الكثير من الأشخاص تمييز المعلومات التي يجب حمايتها وعدم إفشائها بأيّ شكلٍ من الأشكال، لذلك لا بُدّ من تحديد شروط السر المهني الذي لا يجب بأي حال من الأحوال إفشاؤه تحت طائلة المسؤولية، وهذه الشروط كالآتي:

  • سرية المعلومات: تكون المعلومة سريّة في حال لم يكن يعلم بهذه المعلومات إلّا عددٌ معيّن من الأشخاص، ويجب أن يترتب على هؤلاء الأشخاص -بحكم طبيعة مهنتهم- عدم إفشاء أيّ سر من أسرار مهنِهم تحت طائلة المسؤولية، ومن الأمثلة على هذه المهن: الطب والمحاماة.
  • وجود قيمة للمعلومة السرية: بمعنى أنَّ هذه الأسرار تؤثر تأثيرًا كبيرًا على صاحب المصلحة، وتضرّه ضررًا كبيرًا من غير المتصور تعويضه، باستثناء بعض الحالات التي شرع المشرّع إفشاء الأسرار حينها.
  • اتخاذ صاحب المهنة تدابير جدية لحماية الأسرار: فقد لا يكفي أن تكون الأسرار محميّة فحسب بموجب القانون، بل لا بٌدَّ من أن يقوم صاحب المهنة باتخاذ تدابير وقائية حتى لا تتسرّب أي معلومة خارج النطاق القانونيّ.

الطبيعة القانونية للسر المهني

إنَّ حماية حقوق الأفراد ومصالحهم تعدّ من الأمور السياسيّة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ووسائل الحماية لهذه الحقوق تختلف باختلاف طبيعتها، لكن من أهم هذه الوسائل الحماية السرية للأسرار المهنية، ووسيلة الحماية لهذه الأسرار أن تبقى تحت طيّ الكتمان وتحت طائلة المسؤولية، وحتى لا يُفشيها الشخص المؤتمن عليها، وكل مُجتمع من المُجتمعات الدولية لها قانون خاص بها يُعنى بحماية هذه الأسرار بالطرق التي يراها مناسبة، فتضع الدولة مجموعة من القواعد والأحكام القانونية لحماية مثل هذه الأسرار من أي اعتداء قد يقع عليها، ونظرًا لتعدد المهن وتنوعها، فمن غير الممكن أن يتم تنظيم قواعد خاصة بجميعها، بل كان من الأولى أن تُنظم المهن المهمة اجتماعيًّا مع فرض عقوبات تأديبية في حال خرقها.

ولمّا كانت المصالح الاجتماعية تولد قواعد قانونية، كانت كلّ قاعدة من هذه القواعد تستهدف حماية أمر معيّن، كما أنَّ القانون يوازن بين المصالح الجديرة بحمايتها فيرجح بعضها على البعض الآخر، وذلك لأن الحق يؤدي وظيفة اجتماعية واقتصادية لخدمة الصالح العام وخدة صاحب الحق في إطار المصلحة العامة والنظام العام، ومن المؤكّد أنَّ المصلحة العامة تغلب على مصلحة الأفراد في حال كان هناك تعارض بينهما، وهنا يلعب القانون الجنائي دورًا بارزًا في حماية هذه الأسرار من الإفشاء باستثناء بعض الحالات التي ذكرتها القوانين المعنية، ورتبت هذه العقوبات باعتبار أنَّ السر هو من أكثر الأشياء التي تشق على الإنسان في كتمانها، فالسرّ المهني ينقسم إلى نوعين: الأسرار الخاصة التي تتعلق بالأفراد، والأسرار العامّة المرتبطة بأسرار الدولة.

الحماية الجزائية للأسرار المهنية

الإخلال بالالتزام الذي يفرض عدم إفشاء أيّ سر من أسرار المهنة تستحقّ جريمة تأديبيّة، ولكن هناك العديد من التشريعات تكتفي بالعقوبات التأديبية بل وضعت العديد من النصوص الجنائية لمعاقبة أي شخص قد يُفشي هذه الأسرار دون وجه حق، فقد نصت المادة 379 من قانون العقوبات الاتحادي على ما يأتي: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عـن سنة وبالغرامة التي لا تقلّ عـن عشرين ألـف درهم أو بإحدى هاتَيْن العقوبتَيْن من كان بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو فنه مستودع سر فأفشاه في غير الأحوال أو استعمله لمنفعته الخاصة أو لمنفعة شخص آخر، وذلك ما لم يأذن المصرح بها قانونًا صاحب الشأن في السر بإفشائه أو استعماله”، أمّا في قانون العقوبات المصري فقد نصّت المادة 310 على أنّه: “كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعًا بمقتضى صناعته أو وظيفته سرًّا خصوصيًّا اؤتمن عليه فأفشاه في غير الأحوال التي يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري”، وحتى تقوم هذه الجريمة من المفترض أن تتوفّر أركانها قاطبة: الركن المادي وهو إفشاء الأسرار، وتوفر قصد النية والعمد في إفشائها.

السرية الطبية في القانون

لكلّ شخص في هذه الحياة الحقّ في الحفاظ على أسراره، نظرًا لأن كل إنسان له الحق بأن يبقى منعزلًا بأموره الخاصّة عن غيره، فلا ينبغي أن يكون جميع الأشخاص على دراية بها، ومن المهن التي يترتّب عليها عدم إفشاء الأسرار مهنة الطب، فمهنة الطب تُعدّ عملًا أخلاقيًّا قبل أن يكون إنسانيًّا، كما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على الأسرار، فالطبيب تنشأ علاقة وثيقة بينه وبين مرضاه، بحيث يتعيّن على هذا الأول عدم إفشاء هذه الأسرار تحت طائلة المسؤولية والعقاب، ويُعرف السرّ الطبيّ على أنه: “كل ما يصل إلى علم من اؤتمن عليه من معلومات أيًّا كانت طبيعتها سواء أتعلقت بحالة المريض وعلاجه أم حصل عليها من المريض نفسه أو اكتشفها بنفسه، ويُفرض عليه الاتزام بالصمت بخصوص كل ما يتعلق بهذا السر، إلا في الحالات التي يرخص له فيها بالكشف أو الإفشاء”، وترتب العديد من الدول في تشريعاتها الجنائية عقوبات شديدة في حال تجاوز ذلك، منها الحبس ومنها الغرامة ومنها الفصل بشكلٍ كليّ عن المِهنة.

وش أسوي