هل أصبحت التكنولوجيا متفوقة على النفط
الإقتصاد المعرفي يعد محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي ويعتمد بشكل أساسي على تكنولوجيا المعلومات وتكنوولجيا الاتصال والابتكار, فقد بات من البديهي أن ما نعيشه اليوم من تقدم وتطور في التكنولوجيا له أثر كبير وضخم على أقتصاد بلدنا كما هو الحال في الأقتصاد العالمي لباقي الدول.
لهذا سوف نتطرق في هذه المقالة على ألية تعامل بعض الدول مع هذه التكنولوجيا وكيف استغلت هذا الإنفتاح الرقمي للعالم من أجل تحقيق مصالح إقتصادية بحتة والخروج من أزمات حقيقية والتخلص من الكثير الأعباء على دول كانت من المستوردين وأصبحت من المصدرين ولكن ليس عن طريق المواد الأولية أو المشتقات النفطية أو الأسلحة أو غيرها من المصادر المعروفة في صفقات التبادل بين الدول, بل عن طريق تصدير الآلات الصناعية والأجهزة الإلكترونية كما هو الحال في اليابان بمختلف أنواعها (حواسيب وشاشات وهواتف وأجهزة ذكية وغيرها), حيث أنها لاتتساوى من حيث الحجم أو الكمية مع باقي الصادرات الرئيسية بالنسبة لهذه الدول
إلا أنها باتت تأخذ حيز كبير في ميزانية أي دولة وتؤثر بشكل كبيرعلى دخلها وقد تتسبب في أزمات حقيقة وواقعية في الدولة وقد تضعف من إقتصادها.
قبل البدء في التفاصيل سوف نعطي شرح مبسط لهذا الموضوع, فلو افترضنا أن دولة من الدول ليس لديها أي مردود خارجي من صادراتها و جل إعتمادها على الإستيراد من البلدان الخارجية فحتماً سوف تدفع وتتحمل ديون كثيرة لايمكن مع الوقت سدادها, وقامت بابتكار فكرة تصنيع جديدة -لنفترض سيارة على الطاقة الشمسية- وقامت باحتكار إنتاج ضخم منها وبأسعار أقل من المعتاد فإنها سوف تتحول من بلدٍ مستورد للسيارات إلى بلد مصدر للسيارات, أي أن السيارات سوف تصبح من الإيرادات المهمة والرئيسية لهذا البلد.
وهكذا هو الحال في بعض البلدان بحيث يتم إدخال السيارات والهواتف والشاشات والأجهزة الإلكترونية والآلات الكبيرة وتقوم هذه الدولة بدفع المال لسداد المستحقات والديون, ولكن حتى هذا الإنتاج غير كفيل بتحمل أعباء كل هذه الأجهزة الكترونية التي تعد مكسباً وإيراد للدول التي تصدر هذه الأجهزة في حين أن هذا الدول مجبرة أولاً باستيراد مواد ضرورية وهامة من المواد الأولية وغيرها من المشتقات النفطية للبدء في عملية الإنتاج الفعلي, أي فعلياً أصحبت هذا الأجهزة أو الألات الكترونية هي مواد أولية للدولة.
ويجب التنويه إلى أن التكنولوجيا ساعدت بدورها على تقسيم العالم إلى ثلاثة أقسام:
- دول صناعية تمتلك قاعدة تكنولوجية حيوية واستراتيجية غير مقيدة بأي قيد.
- دول صناعية تمتلك قاعدة تكنولوجية مقيدة تنتج بضائع غير استراتيجية.
- دول لاتمتلك قاعدة تكنولوجية مطلقاً.
أما النوع الأول من الدول فتنتسب لها كل من أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين, وتنتسب إلى النوع الثاني اليابان وألمانيا وكثير من دول أوروبا الغربية وكندا, والنوع الثالث يضم دول العالم الثالث وأميركا اللاتينية وأفريقيا والعالم الإسلامي ومنه العربي.
وقد أصبحت الدول في العالم الثاني والعالم الثالث سوقاً كبيراً للصناعات الاستراتيجية التي تنتجها دول العالم الأول والصناعات الاستراتيجية هي بالدرجة الأولى صناعات عسكرية.
سنستعرض بالتفصيل البلدان التي نهضت وخرجت بنجاح من الكثير من الأزمات عن طريق هذا الأسلوب بمفهوم التسويق (البحث عن حاجة جديدة لأشباعها):
1. اليابان:
في عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية كان هناك طفل في مقاطعة هماماتسو ينحدر من أسرة شديدة الفقر، ابن لحداد وطالب من أفشل طلاب مدرسته، كان هذا الطفل يحب مراقبة والده وهو يعمل في ورشته وتعلم منه استخدام الأفران لصهر المعادن وصب القوالب، وعلى الرغم من فشله الدراسي إلا أنه كان مجنوناً بالميكانيكا ولذلك عندما فتح والده ورشة صغيرة لتصليح الدراجات الهوائية كان الطفل ذراعه الأيمن فيها، ثم أنهى دراسته الثانوية في الخامسة عشرة من عمره ليرحل إلى طوكيو ويعمل في شركة صغيرة لتصليح السيارات ويتطور عاماً بعد الآخر ليصل لرئاسة فرع الشركة في هماماتسو وهو في الحادية والعشرين فقط من العمر.
بعد عام واحد فقط ترك الشركة ليبدأ في تأسيس ورشته الخاصة في عام 1928، كانت مكابس السيارات في هذا الوقت تصنع من الخشب فبدأ هو باختراع مكابس معدنية للسيارات، عندما وجد أنه يحتاج للدراسة عاد إلى معهد المقاطعة الفني ليدرس فيه الهندسة الميكانيكية، ثم أنشأ ورشة لإنتاج بعض قطع السيارات لعملاق الصناعة اليابانية (تويوتا)، كانت الأمور تسير على ما يرام بالنسبة له حتى أتى العام 1944 لتضرب قاذفة قنابل أمريكية ورشته ثم يكمل عليها زلزال في العام 1945 بعد أن أنشأها مرة أخرى، لتنتهي الحرب العالمية الثانية بخسارته لكل شيء.
بعد الحرب ترك الشاب مجال السيارات واتجه لسوق الدراجات النارية بالصدفة البحتة، في العام التالي مباشرة لقصف اليابان النووي أسس معهداً للأبحاث التقنية والميكانيكية ثم بدأ في تطوير محركات للدراجات النارية، في هذا الوقت كانت هناك مائتان وخمسون شركة عاملة في اليابان في هذا المجال، بدأ بتصنيع أولى أجيال دراجته (Dream)، وبحملة تسويق عبقرية واستهداف مكثف لشرائح المراهقين والفتيات ممن يستخدمون الدراجات الهوائية استطاع بعد سنوات معدودة أن يصبح الشركة اليابانية الأولى في تصنيع الدراجات النارية، ثم لم يكتف بذلك وإنما ذهب للولايات المتحدة ليغزو السوق هناك في عقر دارهم واستطاع بعد عشر سنوات أخرى أن يصدر للولايات المتحدة مليون دراجة نارية في العام!
بالتوازي وفي بداية الستينات بدأ الشاب في الدخول إلى مجال صناعة السيارات، كان هذا المجال محرماً في اليابان بشكل غير رسمي بعد فشل عشر شركات منذ العام 1925 في دخول السوق، لكن الشاب وببراعة وبدعم مطلق من وزارة التجارة الدولية بدأ تصنيع السيارات في إطار إستراتيجية الوزارة لرفع الصناعة اليابانية لتنافس نظيرتها الأمريكية، لتصبح شركته فيما بعد أحد أكبر ستة مصنعين للسيارات في العالم، والأولى عالمياً في تصنيع الدراجات النارية.
الشاب الذي يدعى (سويتشيرو) مؤسساً لعلامة تجارية تقدر قيمتها الآن بما يفوق الستين مليار دولار كإحدى أكبر الشركات العالمية، الشركة التي تدعى (هوندا).
دائماً من فكرة إلى تخطيط ثم تنفيذ ثم نجاح تحولت هوندا الى شركة قادرة على دعم الأقتصاد الياباني ومحط أنظار العالم ومركز موثوق لشراء السيارات ذات التوعية القوية ذات الجودة العالية والتي يفضلها اليوم الكثيرون عن باقي االسياراتد
2. الصين:
الصين صاحبة السور العظيم التي فاجأت الجميع فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية المدمرة للبشر والحجر، أدرك شعب هذه الدولة عبثية الحرب وأن لا سبيل للنهوض من هذا الخراب الحاصل سوى بالعلم والعمل، ووضعت الأولويات وتم العمل على بناء الإنسان أولاً, فما من بيت اليوم في كل العالم إلا ولايحوي على منتوجات صينية بمختلف أنواعها فقت غزت منتجاتها وأدواتها العالم أجمع والقائمة تطول ولا تعد ولا تحصى.
3. ألمانيا:
الأولى أوروبياً في براءات الأختراعات والرابعة عالمياً, كان التاريخ 30 أبريل للعام 1945 نقطة الأنهيار السحيق وفي تاريخ ألمانيا بانتحار أدولف هتلر إثر أحتلال قوات التحالف للعاصمة برلين ومقر الحكم في الرايغستاغ إعلاناً لهزيمة ألمانيا العاصمة في الحرب العالمية الثانية بعد تدمير غالبية مدنها واقتصادها وجيشها وتشريد نحو 12 مليون ألماني اضافة إلى 8 ملايين أسير.
ومع كل ماسبق نهضت ألمانيا ولم يكن الهدف مجرد رغبة في التقدم والرفاعية فقد بل أيضاً نوعاً من رد الكرامة والإعتبار وهو مابدأ على يد لودفيج أرهارد الملقب بأب المعجزة الأقتصادية حيث كتب مذكرة بعنوان (تمويل ديون الحرب وإعادة هيكلتها) شملت رؤيته على كيفية إعادة بناء القتصاد الألماني على أساس فكرة السوق الأجتماعي التي تقوم على حرية السوق مع الاهتمام بالتوازي الإجتماعي.
كما أن الخطة تناولت التركيز على العديد من الأشياء الرئيسة الهامة نذكر بعضها والتي:
- التعليم العالي المجاني: النسبة الأعظم من الجامعات الألمانية يقدم خدماته للطلبة الألمان والأجانب مجاناً أو برسوم رمزية.
- النظام الصحي: تتمتع ألمانيا بنظام صحي إجباري جيد يحق بموجبه لكل شخص تلقي العلاج المناسب مجاناً، وذلك مقابل مبلغ شهري بسيط يُدفع لشركات التأمين (العامة أو الخاصة). ويعتبر هذا النظام من أفضل نظم التأمين الصحي عالمياً
- صناعة السيارات: منذ فجر السيارات الحديثة كانت ألمانيا تتمتع بالريادة، ذلك أن أول سيارة تعمل بالوقود اخترعت في ألمانيا. ومنذ ذلك الوقت، حافظت ألمانيا على تفوقها في مجال صناعة السيارات، وتعتبر حالياً ثالث أكبر منتج للسيارات في العالم. من منا لا يعرف ماركات مرسيدس وبورش وفولكس فاغن و BMW.
في عام 2014 تمكنت ألمانيا من تحقيق أعلى فائض تجاري في العالم بقيمة 285 مليار دولار مما جعلها عاصمة التصدير العالمية.
تساهم الخدمات بنسبة 70% من إجمالي قيمة الاقتصاد الألماني، تليه الصناعة بنسبة 29,1%، ثم الزراعة بنسبة 0,9%.
من حيث الإنتاج والتطوير لايزال العالم العربي بعيد كلياً عن تصدير التكنولوجيا وبناء الخطط والعمل عليها كما حدث مع البلدان السابقة ولا يمكن القيام بها في ظل الظروف الحالية، فالمنتج النهائي في الدول المتقدمة ما كان ليخرج لولا توفر حزمة كبيرة من المؤهلات مكنت الشركة على الإنتاج وأبرزها التعليم الجيد والأيدي العاملة الماهرة ومراكز البحث المتطورة والإنفاق المالي على تلك المؤسسات، بالإضافة إلى توفير بيئة مالية ومصرفية تخدم تلك الاستثمارات وهو ما لم يتوفر في الدول العربية بعد.
وإن هذا الشكل من الإقتصاد الذي فرضته التكنولوجيا والحضارة والتطور سوف يغزو حياتنا اليومية بشكل أو بأخر, فالمؤكد أن أياً من الدول لايمكنها إيقاف التطور العلمي المستمر في هذه الأشياء، والمؤكد أيضاً أن على الاقتصاديين إبتداع نماذج حساب جديدة لحجم تطور الدول وطريقة حساب الناتج المحلي للدولة إعتماداً على التقنية المستخدمة فيها، إذ قد يصبح تطور الدولة يُقاس بحجم ما تملكه أو تطبق من تقنية في قطاعاتها ليُطلق عليها دولة متقدمة.
السنوات المقبلة سنشهد استخداماً أوسع نطاقاً للتقنية وستصبح أفلام الخيال العلمي مطبقة على أرض الواقع، وسيتحدد تطور الدولة بمدى إنتاجها التقني، وسيكون العالم أكثر انقاسماً مما سبق فإما أن يكون مصدراً للتكنولوجيا وما يلحق بها أو أن يكون مستهلكاً للتكنولوجيا. فلتنظر كل دولة ما تريد.
وش اسوي نصائح افكار ابداعات حلول سؤال جواب نصيحة معلومات منوعة تطبيق وش اسوي موقع وش اسوي خبراء وش اسوي حكم حلول وش اسوي مقالات وش اسوي مقالات منوعة مقالات مفيدة مقال