وش اسوي : الفضاء الخارجي
تخيل أنك تطفو في الفضاء الخارجي؛ هادئ وبارد، باعث على الطمأنينة والرعب في آنٍ واحد. وفجأة، تشعر بشيء يشدُّك، بثقلٍ في البداية، لكنه يتقوّى فيما هو يجرك إلى ركن بعيد خالٍ من السماء.
في ومضة عين، ستكون دخلت ثقبا أسود!
فالثقب الأسود هو مكان في الفضاء تكون فيه الجاذبية عالية جداً، بحيث تكون قادرة على سحب الضوء، ولا يمكن رؤية الثقوب السوداء، وإنّما تساعد التيليسكوبات الفضائية، وبعض الأدوات الخاصة في العثور عليها، كما يمكن من خلالها ملاحظة تصرّفات النجوم القريبة من الثقوب، إذ تتصرف بشكل مختلف، ويعتقد وجود عدد منها في مجرة درب التبانة التي توجد فيها الأرض وقد توقّع ألبرت أينشتاين وجود الثقب الأسود ضمن نظريته النسبية العامة في عام 1916، وقد صاغ المصطلح عالم الفلك الأمريكي جون ويلر في عام 1967 بعد أن اكتشف أول ثقب في عام 1971.

كيفية تكون الثقب الأسود يظن العلماء أنّ أصغر الثقوب السوداء (Black Holes) في الكون قد تشكلت مع بدء خلق الكون، أمّا عن طريقة تشكلها فتتشكل الثقوب السوداء النجمية بانهيار النجم، أو وقوعه في مركزه، وأثناء ذلك يظهر النجم المستعر، وتتطاير أجزاء من النجم المنفجر في الفضاء.
يحدث هذا الانهيار بسبب فقدان النجم لوقوده، الأمر الذي يجعله غير قادر على دعم طبقاته الخارجية من الغاز، وعندما يكون النجم كبيراً بما يكفي، أي إنّه أكبر من كتلة الشمس بخمس وعشرين مرة، تقوم الجاذبية بسحب الغازات نحوها ممّا يسبب صغر قطر النجم تدريجياً حتّى تصل كثافته إلى اللانهاية في نقطة واحدة، وهذا ما يُسمّى التفرد (singularity).
هناك نوعان من الثقوب السوداء، وهي كما يأتي: الثقب الأسود غير الدوار، ويُسمّى شوارزشيلد (Schwarzschild).
الثقب الأسود الدوار، ويُسمّى كير (Kerr black hole)، ويعتبر الثقب الأسود الدوار الأكثر تواجداً في الطبيعة، كون الثقب الأسود المتكون من نجم دوار سيستمر في الدوارن أيضاً.
لا تتجول الثقوب السوداء في الفضاء لتأكل النجوم والأقمار والكواكب اي لن تسقط الأرض داخل ثقب أسود، لأنه لا يوجد ثقب أسود قريب بشكلٍ كافٍ من النظام الشمسي الذي تتبع له الأرض ليحدث هذا. وحتى إن افترضنا وجود ثقب أسود بحجم الشمس، وحل محل الشمس، فلن تسقط الأرض بداخله، رغم ذلك، قد يحظى الثقب الأسود بجاذبية تماثل جاذبية الشمس ،لذا فإن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول ثقب أسود، بدورانها حول الشمس الآن.

لا يمكن أن تتحول الشمس إلى ثقب أسود، فالشمس ليست كبيرة بشكلٍ كافٍ لتتحول إلى ثقب أسود.
في عام 2012، توصل جون بولشينسكي، أثناء محاولة فهم ما إن كانت المعلومات تتوقف وتختفي في أحد الثقوب السوداء إلى الأبد، إلى أن وجود مصير آخر لهذه المعلومات أمر محتمل. فحسب ميكانيكا الكم، تصبح النقطة التي يُمتص عندها الضوء داخل الثقب الأسود جداراً هائلاً من النار يمكنه أن يحولك إلى رماد بمجرد عبوره. ولن تمر حتى بمرحلة التمدد والتقطيع تلك. عدد من علماء الفيزياء لا تعجبهم هذه الفكرة. فحسب أحد قواعد نظرية أينشتاين النسبية، لا يشعر الإنسان الذي يسقط في نقطة اللاعودة تلك بأي شيء مختلف، فقط يطفو في الفضاء.
فجدار النار ذلك يتناقض إذن مع ما يعرف بـ “مبدأ التكافؤ” (أو مبدأ التساوي بين كتلة الجاذبية وكتلة القصور)، وهو يمثل قاعدة لا يميل علماء الفيزياء إلى إهمالها بسهولة. لهذا، جرب العلماء فكرة تلو الأخرى في محاولة التوصل إلى ما بات يعرف بـ “مفارقة جدار النار”. وفي ذلك الإطار، ليس هناك اتفاق على أي شيء حتى الآن.

هناك طوق نجاة من كل سيناريوهات الثقوب السوداء غير المقبولة: أن نعيد تخيل ماهية الثقب الأسود. في الفيزياء الكلاسيكية، ليس هناك وسيلة لإيقاف مادة من التجمع، والتحول إلى نجم، ومن ثم الانهيار لتصبح ثقبا أسود. الجاذبية لن تكلّ. هناك نظرية الأوتار، وهي تبدأ مع فكرة أن المادة ليست مصنوعة من جسيمات أولية، وإنما من أوتار دقيقة.
عند الجاذبية الساحقة حيث يمكن أن ينشأ ثقب أسود، هذه الأوتار سوف تتشابك معا. “كلما وضعت المزيد من الطاقة في نظام ما، زاد حجم كرة الأوتار تلك”، كما يقول سمير مأثور من جامعة ولاية أوهايو. لا بد وأنك في هذه الحالة أيضا ستموت ميتة شنعاء إن سقطت في كرة من الزغب من هذا النوع، لكن عوض أن تكون جزءا من العدم، فإنك تصبح شيئا. أولا سترتفع حرارتك فيما أنت تقترب.
و عند عبورك أفق الحدث والمُضي قُدما باتجاه كرة الأوتار الضخمة، فإنك ستتمزق وجسمك سيتحول إلى رزمة من الأوتار بمجرد وصولك السطح فحسب.
بعد أن تمتصك كرة الأوتار، ستبدأ بالانتشار على أرجاء سطح الثقب الأسود، متمازجا مع الأوتار الأخرى هناك.
و تبقى الثقوب السوداء أحد أهم ألغاز الكون و التي على الرغم من معرفة الكثير عنها الا أن الجانب المخفي أكبر من ذلك ولمعرفة ما يحدث بشكل قاطع داخل الثقب الأسود، عليك ببساطة أن تذهب إلى هناك بنفسك. ولكن تبقى المشكلة في أنك لن تستطيع أن تخبر أحداً بما رأيته، لأنها رحلة ذهاب بلا عودة.