معلومات عن الحضارة المصرية
مفهوم الحضارة
يشيرُ مفهوم الحضارة إلى كلِّ نظام اجتماعيّ يسمح للإنسان بزيادة إنتاجه وخصوصًا الإنتاج الثقافي، تتألف الحضارة بشكل عام من أربعة ركائز أساسية تقوم عليها وهي: الروافد الاقتصاديَّة، الأنظمة السياسية، الأعراف والتقاليد الأخلاقية، الفنون والعلوم، ولا يمكن أن تقوم الحضارة وتنهض إلا عندما تنتهي حالة الفوضى والاضطراب والقلق في الدولة، فعندما يعيش الإنسان في حالة أمان تبدأ دوافع الإبداع والطموح والتطوير بالعمل لديه، فالحضارة إذًا هي الازدهار والرقيُّ في مختلف المجالات والميادين، وهذا المقال سيتطرَّق بالحديث عن الحضارة المصرية وما يدور حولها.
الحضارة المصرية
تعدُّ الحضارة المصرية من أهم وأعرق الحضارات عبر التاريخ، قامت هذه الحضارة في شمال شرق القارة الأفريقية، وبشكل خاصّ على ضفاف نهر النيل العظيم في جمهورية مصر العربية حاليًّا، وهي حضارة موغلة في القدم امتدَّت لما يقارب ثلاثة آلاف سنة تطوّرت خلالها تطوُّرًا كبيرًا، وغَدَت واحدة من أعظم الحضارات التي مرَّت على وجه الأرض على الإطلاق، بدأت على يد الملك مينا أو نارمر عندما قام بتوحيد شمال وجنوب مصر في عام 3150 قبل الميلاد، وبلغت ذروة ازدهارها الحضاري في عصر الدولة الحديثة، وبالرغم من أنَّها ضمَّت العديد من الممالك التي شهدت استقرارًا ساسيًا إلا أنَّ هناك بعض الاضطرابات التي تخللت تلك الأوضاع المستقرة خلال عمرها الطويل.
وكان أحد أسباب نجاح الحضارة المصرية بداية تمركزها في منطقة وادي النيل حيث توفّرت جميع المقومات اللازمة لنجاح العمل بالزراعة كالمناخ المعتدل والمياه الوفيرة وخصوبة التربة، وأسهمت التنبؤات بحدوث الفيضانات بالتحكم والسيطرة على المحاصيل الزراعية والمحافظة عليها، وأسهمت المحاصيل الوفيرة في زيادة التنمية الثقافية والاجتماعية، وتمَّ استخراج كثير من المواد المعدنية المتوفرة في منطقة الوادي والصحاري المحيطة، وتمَّ اختراع نظام كتابة خاص بالمصريين، ونظِّم العمل الجماعي سواءً في أعمال البناء أم في الأعمال الزراعية، وتطورت حركة التجارة مع الدول والمناطق المجاورة، كما تمَّ الاهتمام بالتجهيزات العسكرية لتأكيد سيطرة الفراعنة على البلاد وللدفاع عن أرض مصر ومقاومة الغزاة، خصوصًا أنَّ المنطقة كانت عرضةً لأطماع الغزاة نظرًا للوفرة والخيرات الموجودة فيها.
تاريخ الحضارة المصرية
في عصر ما قبل حكم الأسر في مصر كان المناخ أقل قحطًا بكثير فقد تغطَّت مناطق شاسعة من مصر بأعشاب السافانا وتخللتها قطعان الرعي، وكثُرت فيها الثروتان الزراعية والحيوانية، وساعد نهر النيل على ذلك، وانتشر الصيد فيها وتمَّ استئناس العديد من الحيوانات، وفي سنة 5000 قبل الميلاد كانت تعيش بعض القبائل في وادي النيل ومن أشهرها حضارة البداري التي عاصرتها في الجنوب حضارة النقادة، وتطورت الحضارتان بشكل كبير على مدى قرون طويلة، لكن في عام 3150 قبل الميلاد وفي بداية عصر الأسر قام نارمر وهو أوَّل فرعون ببسط سيطرته على مصر السفلى بتوحيد مصر بجزئيها وأنشأ مدينة ممفيس أو منف وهنا بدأت الحضارة المصرية المعروفة بالتشكُّل والتطوُّر، فسيطرَ الفراعنة في ذلك الوقت الذي يشار إليه بالحضارة المصرية القديمة على طريق التجارة إلى الشام، وبدَت سلطة الفراعنة وجبروتهم جليةً في قبورهم وهياكلهم والتي استخدمت احتفالًا بالفرعون بعد موته.
في نهاية عصر المملكة القديمة عادت مصر إلى الانقسام مرة أخرى، وضعفت الإدارة واضمحلَّت هيبة الفرعون، واستقلت الأقاليم عن الحكومة المركزيّة، ما أدى لازدهارها أكثر لاستغلالها مواردها للصالح المحلي، وحدثت الحروب الأهلية بين الأقاليم للسيطرة على الأرض والاستحواذ على السلطة، لكن بعد عام 2160 قبل الميلاد استطاع منتوحوتب الثاني أن يهزم حاكم هيراكليوبولس ويعيد توحيد مصر مبشرًا بعهد نهضة جديد ثقافيًا واقتصاديًا، وهو عصر الدولة الوسطى الذي شهدت فيه استقرارًا ورخاءً، وتطورت مشاريع الأبنية الضخمة، وكانت طيبة عاصمة للبلاد حتى استلام الأسرة الثانية العشرة للحكم وجَعل مدينة لتجتاوي التي تقع في الفيوم عاصمة للبلاد، وعملت الأسرة الثانية عشر على استصلاح الأراضي وتنظيم الري وزيادة الإنتاج، واستعادوا منطقة النوبة المليئة بالذهب والمحاجر، وازدهر الفن والدين، وظهرت بعض المؤلفات الأدبية وظهر فنُّ النحت النافر التصويري، وقد أدت أعمال البناء الضخمة ونشاطات التعدين وعدم الاكتفاء من النيل إلى ضعف اقتصادي سارع بالانتقال لمرحلة جديدة حكم فيها الهكسوس مصر، ولم يستطع الفراعنة التغلب على الهكسوس وطردهم إلا بعد مئة عام تقريبًا في حوالي 1550 قبل الميلاد.
نشأت بعد ذلك الدولة المصرية الحديثة وشهدت ازدهارًا غير مسبوق، وأمَّنت حدودها وحسنت العلاقات مع الدول المجاورة، ومد الفراعنة نفوذهم إلى سوريا وبلاد النوبة، وفي عام 1350 قبل الميلاد تهدد استقرار الدولة بعد عملية الإصلاح الفوضوية التي بدأ فيها أمنحوتب الرابع، فدعا لعبادة الإله أتون الواحد الذي لا شريك له، وسمَّى نفسه أخناتون أي عبد أتون، ونقل العاصمة إلى مدينة أخناتون الجديدة، وانشغل بدينه الجديد عن الشؤون الخارجية للبلاد، وبعد موته تمَّ التخلي عن عبادة أتون ومسح جميع ما يتعلق بأخناتون من قبل الفراعنة من بعده، وعندما تولى رمسيس الثاني الحكم في عام 1279 قبل الميلاد -والذي يلقَّب برمسيس العظيم- قام ببناء عدد أكبر من المعابد والتماثيل والمسلات.
أهم إنجازات الحضارة المصرية
لقد كانت الحضارة المصرية على مرِّ العصور أعظم حضارة على وجه الأرض لما قدمته من إنجازات للبشرية على طول خمسة آلاف سنة، وتعدُّ أطول حضارة في الدنيا، ويُقصد بها الحضارة الجغرافية التي قامت في منطقة وادي النيل، ولذلك كانت إنجازات المصريين القدماء كثيرة جدًا ما تزال من عجائب الدنيا حتى هذه الأيام، ففي مجال العمران كان لهم باع طويل فقاموا ببناء الأهرامات والتماثيل والمعابد والقبور التي صمدت رغم مرور آلاف السنين عليها، بالإضافة إلى كثير من الرسومات والنقوش والمخطوطات كمخطوطة البردي الشهيرة، فأهرامات الجيزة ومنارة الإسكندرية تعدُّ من عجائب الدنيا السبع، والمقتنيات والتحف والتماثيل المصرية تملأ متاحف العالم وحتى كثير من المساجد في مصر قامت على آثار أبنية الفراعنة،وبقي هرم خوفو أعلى بناء في العالم حتى القرن التاسع عشر.
أمَّا في مجال الفلك أقام المصريون أقدم مراصد العالم وذلك قبل بناء الأهرامات وصنعوا لأنفسهم تقويمًا زمنيًّا حسب ملاحظاتهم لحركة النجوم والشمس، وكانوا يصنعون من البردي رقائق للكتابة عليها وجمعوا فيها علومهم وتقاليدهم وعاداتهم، وأبدعوا الكتابة الهيروغليفية التصويرية، واخترعوا مفاهيم في الهندسة والحساب وطوروها، ودرسوا في الطب وفي طب الأسنان، وهم أول من ابتدع فكرة الحياة الآخرة وفكرة التوحيد على يد أخناتون، وقاموا باستخراج المعادن التي كثُرت في منطقتهم وصنعوها وتبادلوها تجارًّا مع سكان المناطق المجاورة، كما أقاموا شبكات للري وصنعوا قوارب الصيد وغيرها، كما كان لهم أعمال عظيمة في مجال النحت والتحنيط والأدب والموسيقى والرسم والعمارة والدراما بصورة قلَّ نظيرها في زمنهم، لذلك تعدُّ الحضارة المصرية أم حضارات الأرض بلا منازع.
نهاية الحضارة المصرية
إنَّ كثرة الخيرات والثروات التي كانت تزخرُ بها مصر القديمة جعل منها عرضةً لأطماع الغزات على مرِّ العصور، ورغم الاستقرار النسبي الذي كان يسود مصر في فترة حكم الفراعنة إلا أنها تعرضت لكثير من النكسات بداية من غزو الفرس لها أكثر من مرة، ثمَّ سيطرة الهكسوس على الحكم، لكنَّ المصريين كانوا يسارعون إلى توحيد صفوفهم وإعادة تحرير بلادهم وطرد المحتل منها، غيرَ أنَّ الانقسامات كانت أكثر من أن تُجبر والضعف الداخلي والفساد والظلم كان قد تفشَّى وجعلها أضعف بكثير، مما كانت عليه خصوصًا منذ عام 1085 قبل الميلاد وبداية تولي الأسرة الحادية والعشرين الحكم، ولم ينتهِ العصر الفرعوني إلا بعدَ أن قام الإسكندر الأكبر بغزو مصر وضمها إلى مملكته في عام 332 قبل الميلاد في زمن الأسرة الثلاثين لتطوى صفحة حكم طويلٍ للفراعنة، ويبدأ العصر البلطمي الجديد في مصر.