وش اسوي : نموذج محرابيان (Mehrabian) للتواصل، تعلّم التواصل بوضوح

 

هل سبق لك أن فتحت بريداً إلكترونياً من أحد الزملاء وأسأت تفسير الكلمات التي تظهر فيه؟ ربّما شعرت أنَّ الرسالة كانت تنتقدك أنت أو عملك، بينما الواقع أنّ هذا لم يكن ما قصده المرسل على الإطلاق. أو ربّما خُضت تجربة التحدّث مع عميلٍ عبر الهاتف وعرفت من نبرة صوته، أنَّ البيع لن يتمَّ هذه المرّة.

التّواصل هو أكثر من مجرّد الكلمات التي نستخدمها، حيث تلعب نبرة صوتنا وتعبيراتنا الوجهيّة ولغة أجسادنا دوراً كبيراً في الطريقة التي يتمُّ فهمنا بها. وإذا كنّا نتواصل في موقفٍ لا يمكننا فيه استخدام كلّ هذه العناصر لتعزيز رسائلنا، فنحن بحاجة إلى أن نكون حذرين للغاية. ربما سمعت بإحصائيّةٍ تقول أنَّ 7% فقط من أيّ رسالةٍ تُنقل من خلال الكلمات التي تختارها، بينما 93% تظهر في الأدلّة الخفية مثل نبرة صوتك ولغة جسدك.

هذا الادّعاء يأتي من دراسةٍ أجراها عالم النفس “ألبرت محرابيان” في أواخر الستينيّات. ولكن حذارِ، كلّ هذا عادةً يتمّ اقتباسه بشكلٍ خاطئ! سنشرح في هذا المقال ما يقول نموذج التّواصل لمحرابيان، ونلقي نظرةً على كيف يمكنك استخدام النتائج التي توّصل إليها نموذج محرابيان في حياتك اليومية.

نموذج التّواصل لمحرابيان:

كشف عالم النفس ألبرت محرابيان في عام ١٩٦٧ في دراسةٍ بعنوان: “الاستدلال على المواقف من التّواصل غير اللّفظي في حيّزين مختلفين”، بياناتٍ جديدة رائدة، تتعلّق بالأهمية النسبية للرسائل اللّفظية وغير اللّفظية.

في دراسته الأصلية، أخذ محرابيان في الاعتبار مجموعات مختلفة من المواقف “الإيجابيّة” و”المُحايدة” و”السلبيّة”، والتي يتمُّ التعبير عنها من خلال تعبيرات الوجه ونبرة الصوت. على سبيل المثال، استخدم كلمة: “ربّما” لاختبار مدى قدرة الناس في الحكم على مشاعر الآخرين. اُعتبرت “ربّما” كلمة مُحايدة في المعنى. وتمّت قراءتها من قبل المشاركين باستخدام نبرة إيجابيّة وأخرى مُحايدة وأخرى سلبيّة، وكان على المستمعين الحكم على موقف المتكلّم، الذي يعتمد في المقام الأول على نبرة صوته.

سمحت الدراسة لمحرابيان بالنظر في الأهمية النسبية للعناصر الثلاث في تواصلنا: الكلمات ونبرة الصوت وتعبير الوجه. أراد أن يكتشف أيّهما يحمل وزناً أكبر لمعرفة هل نحن نستمع أكثر إلى ما يقوله الناس، أم إلى الطريقة التي يقولونه بها. عندما اكتمل بحثه، استنتج محرابيان أنّه في حالات التعامل مع المشاعر والمواقف، كان التعبير الوجهي العنصر الأكثر أهمية، يليه نبرة الصوت. وكانت الكلمات الفعليّة المنطوقة الأقلّ أهمية للتّواصل.

درس محرابيان أيضاً كجزءٍ من بحثه، آثار “التّواصل غير المتّسق” حيث كان تعبير الوجه أو نبرة الصوت على خلافٍ مع الكلمات المُستخدمة بوضوح. ليرى ما الذي سيولي الناس في الواقع معظم الاهتمام به وذلك عندما يكون هناك تناقضٌ بهذه الطريقة، فهل يستجيبون للكلمات، أو لنبرة الصوت، أو للغة الجسد؟ استنتج محرابيان مرّةً أخرى أنّ الناس سوف يستجيبون للغة الجسد ونبرة الصوت أكثر من الألفاظ أو الكلمات المُختارة. على سبيل المثال، إذا كانت عبارة “اذهب بعيداً!” تُقال بنبرة صوتٍ إيجابيّة (على الرغم من أن معنى العبارة نفسه هو سلبي)، من المُحتمل أن يفسّر المستمع التجربة على أنّها إيجابيّة.

ابتكر محرابيان باستخدام نتائجه الشاملة صيغةً للأهميّة النسبيّة للمكونات المختلفة للتّواصل فيما يخص المشاعر أو المواقف:

{ إجمالي المشاعر / المواقف في التواصل } = { 7% في الكلمات + 38% في نبرة الصوت + 55% في تعبيرات الوجه }

أصبحت دراسة محرابيان معروفةً جيّداً منذ نشرها، سواءً في أدب التّواصل ووسائل الإعلام الشعبية. ولكن كلّ هذا يُساء تفسيره أو اقتباسه غالباً.

يحدث التفسير الخاطئ عندما يفترض الناس أنَّ صيغته تنطبق على جميع حالات التّواصل. لكنّ محرابيان يوضّح على موقعه على الانترنت أنَّ دراسته تناولت فقط الاتّصالات التي تنطوي على المشاعر والمواقف. تنصّ دراسته على أن: “هذه المعادلة غير قابلة للتطبيق في حال لم يتحدّث المُحَاوِر عن مشاعره أو مواقفه”.

كيف تستخدم نموذج محرابيان؟

لذلك، كيف يمكنك تطبيق نموذج التّواصل لمحرابيان بشكلٍ صحيح على الحياة اليومية؟

قد تكون معرفة نموذج محرابيان مفيدةً في اتّصالات البريد الإلكتروني عندما تنقل المعلومات الحساسّة أو العاطفية. في هذه الحالات، ومن دون إدخال تعبيرات الوجه أو نبرة الصوت، ستحتاج إلى مزيدٍ من الحذر في اختيار الكلمات في رسالتك. يمكن أن يُساء تفسير معنى الكلمات بسهولةٍ دون القرائن غير اللّفظية (وهذا هو السبب في أنَّ الرموز مفيدةٌ جدّاً عندما تكتب رسالة بريدٍ إلكترونيٍّ غير رسميّة).

كما أنّه نموذجٌ مفيدٌ للمحادثات الهاتفيّة، تذكّر أنّه بدون تعبيرات الوجه نبرة الصوت واختيار الكلمات سيكون له تأثيرٌ أكبر. كن على وعيٍ بنبرة صوتك عندما تتحدّث، واختر كلماتك بعناية. تأكّد من أنهّا تطابق نيّتك الحقيقة والرسالة. هذا بالطبع مهمّ، لاسيّما عندما تتحدّث عن مشكلةٍ شديدة الحساسيّة أو عاطفيّة.

ويمكنك استخدام النموذج لتوجيه أفعالك، على سبيل المثال، تخيّل أنّك بحاجةٍ إلى إعطاء بعض الملاحظات السلبيّة لزميلٍ لك في العمل. ولأنَّ لغة الجسد وتعبيرات الوجه مهمّةٌ جدّاً عند التعبير عن مشاعرك نحو أدائه أو أدائها، فأنت تعلم أنّ نقل هذه التعليقات شخصياً (بدلاً من البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف) سيزيد من احتمالات عدم شعور الشخص بإهانةٍ غير ضرورية. ستتمكّن من التعبير عن نواياك ورسالتك بشكلٍ أكثر وضوحاً إذا كان بإمكانك استخدام كلّ من تعبيرات الوجه ونبرة الصوت معاً. وستكون قادراً أيضاً على رؤية ردّ فعل زميلك على الفور، وضبط رسالتك بشكلٍ مناسبٍ إذا لزم الأمر.

يمكن أيضاً تطبيق نموذج محرابيان في الاجتماعات. تخيّل أنّك تقوم بعرضٍ تقديميٍّ حول مشروعٍ تهتمّ به بشدّة. بينما تتحدّث عن التزامك بالمشروع ستقوم لغة جسدك وتعبيرات الوجه بنقل مشاعرك الحقيقية أكثر بكثير من الكلمات التي تقول. إذا كان جمهورك يحتاج إلى الإقناع، فالطريقة التي تقدم بها الرسالة سوف تكون حاسمة.

يمكن أن يكون النموذج مفيداً أيضاً في مقابلات العمل عندما تتحدّث مع مُرشّحٍ معيّن، فعليك أن تولي اهتماماً وثيقاً لكيفيّة الإجابة على الأسئلة المشحونة عاطفياً. على سبيل المثال: “ما الذي يثيرك حول إمكانية العمل لهذه الشركة؟” سيكون سؤالاً جيّداً. ينبغي أن تتيح لك تعبيرات وجههم ونبرة صوتهم معرفة ما إذا كانوا مُهتمّين حقّاً بأن يصبحوا جزءاً من الفريق أو أنّهم يسعون فقط خلف الراتب.

وش اسوي